للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُغَنِّيَةً، أَوْ نَائِحَةً وَأَعْطَاهَا بِالْأَجْرِ رَهْنًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، وَالْأَجْرَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالرَّهْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مَضْمُونٌ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَأَعْطَاهَا رَهْنًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَبْقَى رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فَإِنْ رَهَنَ بِرَأْسِ مَالٍ السَّلَمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ وَالسَّلَمُ جَائِزٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ بِالْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا، ثُمَّ هَلَكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ بِالْبَاقِي وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْمُرْتَهِنِ فَمَلَكَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَا الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمِلْكِ فَلَا يَقْبِضُ إلَّا بِرِضَاهُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْعَدْلُ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُون مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَى وَجْهَيْنِ تَسْلِيطٌ مَشْرُوطٌ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَتَسْلِيطٌ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِهِ فَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْعَدْلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا يَمُوتُ أَحَدُهُمَا، وَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ بَيْعِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ التَّسْلِيطُ وَلَيْسَ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِوَارِثِهِ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَلِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ، وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَنَهُ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ أَيْضًا بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَيُوَفِّي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبِيعُهُ بِالنَّقْدِ هـ، أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَلَوْ قَبَضَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الرَّهْنِ فَكَانَ هَلَاكُهُ كَهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي يَدِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا) مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>