بِالذِّرَاعِ الَّذِي يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَاهُ حَصَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَا جِوَارَ لَهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَكَذَا إذَا وُهِبَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ سَهْمًا مِنْهَا بِثَمَنٍ، ثُمَّ بَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) وَهُوَ أَيْضًا حِيلَةٌ أُخْرَى، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ فِيهِ، وَالْجَارَ يَسْتَحِقُّ بِبَيْعِ بَعْضِ الدَّارِ كَمَا يَسْتَحِقُّ بِبَيْعِ جَمِيعِهَا وَصُورَتُهَا رَجُلٌ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْعُشْرَ مِنْهَا مُشَاعًا بِتِسْعِمِائَةٍ، ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِمِائَةٍ فَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي عُشْرِهَا خَاصَّةً بِثَمَنِهِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي التِّسْعَةِ الْأَعْشَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا صَارَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ابْتَاعَ بِثَمَنٍ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالثَّوْبُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ ثَانٍ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إيجَابِ حَقٍّ عَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ، وَفِي إبَاحَةِ الْحِيلَةِ تَبْقِيَةُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْحِيلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ تَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَجِّ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا لِكَيْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَالُ لِلشَّفِيعِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا، أَوْ تَدَعَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا يُكَلَّفُ قَلْعَهُ وَلَنَا أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ عَنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَأْمُرَ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا مَعْنًى لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ سَابِقٌ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنْكَرَ فُلَانٌ الشِّرَاءَ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا، أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ) أَمَّا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الْغُرُورِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي غُرُورٌ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُوجَبْ لَهُ الْمِلْكُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ، وَتَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ النِّقْضَ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ النِّقْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute