للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تُصْرَفُ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْتَ يُزِيلُ الْإِذْنَ، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ، وَمَوْتَ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ فَإِنْ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ مِنْ يَوْمِ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ وَتَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ وَلَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ قَدْ اشْتَرَى بِالْمَالِ عَرَضًا فَارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَبَيْعُ الْمُضَارِبِ لِذَلِكَ الْعَرَضِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ فَلَا يَنْعَزِلُ بِرِدَّتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَصَرُّفُهُ كَذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا الرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حُكْمِ الْأَمْلَاكِ فَتَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ فِي حَالِ رِدَّةِ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ أَيْضًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تُزِيلُ الْأَمْلَاكَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَارْتِدَادُهَا وَغَيْرُ ارْتِدَادِهَا سَوَاءٌ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ صَاحِبَةَ الْمَالِ، أَوْ الْمُضَارِبَةَ إلَّا أَنْ تَمُوتَ، أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي أَمْلَاكِهَا فَكَذَا لَا تُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفِهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ فَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالشِّرَاءِ وَصَحَّتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تُبْتَنَى عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَنِضُّ بِالْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ) يَعْنِي الْعُرُوضَ إذَا بَاعَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ نَقْدًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ، أَوْ دَنَانِيرُ قَدْ نَضَّتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ وَاَلَّذِي نَضَّ لَهُ دَرَاهِمُ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا افْتَرَقَا، وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَهُ كَالْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُ حَصَلَ بِعِوَضٍ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِهِ كَالْأَجِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِضَاءُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَلِأَنَّ الدُّيُونَ مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهَا فَلَا يُجْبَرُ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ وَكِّلْ رَبَّ الْمَالِ فِي الِاقْتِضَاءِ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إلَى الْعَاقِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ.

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ: أَحِلْ، مَكَانَ قَوْلِهِ " وَكِّلْ "، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْحَوَالَةِ: نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَمَعْنَى الْوَكَالَةِ: نَقْلُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فَاسْتَعَارَ لَفْظَ الْحَوَالَةِ لِلْوَكَالَةِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ بِالْأَجْرِ كَالسِّمْسَارِ، وَالْبَيِّعِ بِالْأَجْرِ يُجْبَرَانِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْأُجْرَةِ فَكَانَ الْأَجْرُ لَهُمَا بَدَلَ عَمَلِهِمَا.

. (قَوْلُهُ: وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَصَرْفُ الْهَلَاكِ إلَى مَا هُوَ التَّبَعُ أَوْلَى كَمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ فِي الْوَدِيعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً، أَوْ فَاسِدَةً فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>