الْأَوَّلِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْأَوَّلَ وَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ: فَمَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إلَّا النِّصْفَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ وَدَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مُطْلَقَ الْفَضْلِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي النِّصْفُ بِالشَّرْطِ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسَ الرِّبْحِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى صَحِيحًا فِي عَقْدٍ يَمْلِكُهُ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ لِلْعَبْدِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَوْلَى كَسْبَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا شَرَطَ لَهُ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِك ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَالثُّلُثَانِ لِلْمُضَارِبِ وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ مَشْرُوطٌ لِلْمُضَارِبِ.
وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِرَأْسِ مَالِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ، وَإِنْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَمَا شَرَطَ لَهُمَا فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُضَارِبِ وَزَوْجَتَهُ لَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ فَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُمَا كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ مِنْ الرِّبْحِ اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ رِبْحُهُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ رِبْحَهُ لِي فَهُوَ بِضَاعَةٌ، وَإِنْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَلِلْمُضَارِبِ مَا شَرَطَ لَهُ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لِي وَلَك ثُلُثُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْنَ كَلِمَةُ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّنَا شَرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ جَازَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] ، وَإِنْ قَالَ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّ لَك شِرْكًا فِي الرِّبْحِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
(مَسْأَلَةٌ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ وَوَطْءُ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْمُضَارِبِ حَقٌّ يُشْبِهُ الْمِلْكَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ مَاتَ كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَهَا فَأَشْبَهَتْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ الْمُضَارِبُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ) أَمَّا مَوْتُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute