الْمَالِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي تَمَلُّكِهِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُضَارِبِ وَيَسْعَى فِي رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا، وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ظَهَرَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ وَذَلِكَ نِصْفُ الرِّبْحِ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رُبُعِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ عَتَقَ وَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، أَوْ مُتَفَرِّقًا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ نَظَرْتَ: إنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا جَمِيعًا وَيَضْمَنُ لِلْمُضَارِبِ خَمْسَمِائَةٍ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَوَلَاؤُهُمَا جَمِيعًا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى الْمُضَارِبِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَيَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُتَفَرِّقًا فَإِنَّ الْعَبْدَ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَبْدُ الْآخَرُ لِلرِّبْحِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا) (دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ) فِي ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك (لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، أَوْ الثَّانِيَ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مُودَعِ الْمُودَعِ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُنَا يَعْمَلُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَوَّلَ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً فَدَفَعَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ) ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا السُّدُسُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَك اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute