اثْنَانِ لِوَاحِدٍ دَارًا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهُوَ قَبَضَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا شُيُوعَ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَهَا وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ وَهُوَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ لَا تَجُوزُ لَوْ قَسَّمَ وَسَلَّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ جَازَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الِابْتِدَاءِ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا لَكُمَا لِأَحَدِكُمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا مِنْكُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا إذَا وَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا لَا يَنْقَسِمُ كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْهِبَةِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِلْغَنِيَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ كِلَاهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، فَقَالَ الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغَنِيِّ وَهُمَا اثْنَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ وَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا وَهَبَ مِنْ اثْنَيْنِ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَالصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ تَقَعُ لِوَاحِدٍ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا) فَإِذَا عَوَّضَهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ عَنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ بَدَلَهَا فَلَا يَرْجِعُ كَالْبَيْعِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعِوَضِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَعَدَمِ الْإِشَاعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِنْ جِنْسِ الْهِبَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعِوَضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضُ هِبَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ مُكَافَأَةً عَنْهَا أَوْ بَدَلَهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا أَوْ مُجَازَاةً عَلَيْهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِوَضٌ فِي هَذَا كُلِّهِ إذَا سَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ أَمَّا لَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ هِبَتِهِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمَوْهُوبِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ لِلْمُعَوِّضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ سُقُوطُ الرُّجُوعِ، وَإِنْ عَوَّضَهُ عَنْ نِصْفِ الْهِبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ فِي الَّذِي عَوَّضَهُ عَنْهُ، وَإِنْ عَوَّضَهُ بَعْضَ مَا وَهَبَ لَهُ عَنْ بَاقِيهَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا كَمَا إذَا وَهَبَ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَوَّضَهُ دِرْهَمًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا وَكَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي الْمِائَةِ.
وَكَذَا إذَا وَهَبَهُ دَارًا وَعَوَّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا، وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَدْ تَمَّ فِي الْهِبَةِ وَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَسَائِرُ أَمْوَالِهِ تَصِحُّ عِوَضًا فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنَّا نَقُولُ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ بِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَهَبْ مِائَةً فِي تَحْصِيلِ دِرْهَمٍ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي يَدِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَوَّضَهُ الْوَلَدَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ فَصَارَ ذَلِكَ عِوَضًا فَمُنِعَ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ (أَوْ يَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) بِأَنْ كَانَتْ جَارِيَةً هَزِيلَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute