فَسَمِنَتْ أَوْ دَارًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ أَوْ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا فَإِنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا فَرَجَعَ فِيهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْ كَانَ رُجُوعُهُ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُعْلَمُ فِيهَا زِيَادَةُ الْحَمْلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنْ وَهَبَ لَهُ بَيْضًا فَصَارَ فَرُّوخًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ تَحْبَلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِوَطْئِهِ حُكْمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ كَانَ أَبًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْتَقَصَتْ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَرْشُ النُّقْصَانِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُنْفَصِلَةِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَمَا إذَا وَهَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْأُمِّ لَا يَسْتَتْبِعُ الْوَلَدَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ الْوَلَدِ وَلِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّمَارِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ إذَا اسْتَغْنَى الْوَلَدُ عَنْهَا.
وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدًا فَاكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْكَسْبِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَقُطِعَتْ يَدُهَا وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْهِبَةِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً عَجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ وَالْكِتَابَةَ وَالْقُرْآنَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ لَا يَرْجِعُ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ زِيَادَةٌ فِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ وَصِيفًا فَشَبَّ وَكَبِرَ ثُمَّ صَارَ شَيْخًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ زَادَ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ زَادَ الْمَوْهُوبُ زِيَادَةً فِي نَفْسِهِ تُورِثُ نُقْصَانًا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا إذَا طَالَ طُولًا فَاحِشًا يُنْقِصُهُ فِي ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِالْمَاءِ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذَا نُقْصَانٌ كَمَا إذَا وَهَبَ لَهُ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ لَهُ تُرَابًا فَبَلَّهُ بِالْمَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبَلِّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طِينًا بِخِلَافِ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي سِعْرٍ لَمْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّهَا فَكَذَا فِي نِصْفِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَهُ قَوْلُهُ (أَوْ تُخْرَجَ الْهِبَةُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَسَوَاءٌ أُخْرِجَتْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ دُونَ الزَّائِلِ، وَلَوْ وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ حُرًّا أَمَّا إذَا وَهَبَ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ فَقَبَضَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَحْصُلْ صِلَةً لِلرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا، وَإِنْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ وَقَبَضَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ وَعِنْدَهُمَا لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَصَارَ بِالرُّجُوعِ يَفْسَخُ مِلْكَ أَخِيهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهِبَةَ حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهَا بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا ثُمَّ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى مِنْ جِهَتِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَبِلَهَا وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْلَى صَحَّتْ، وَلَوْ رَدَّهَا الْعَبْدُ وَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ بِيعَتْ فِي دَيْنِهِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْقَرَابَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْإِرْثُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute