أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَتَقَ إجْمَاعًا، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ هُنَاكَ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَمْلُوكُ وَلَدَهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ عَتَقَ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَاشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَعْتِقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ الْمُكَاتَبِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: نِصْفُك حُرٌّ أَوْ ثُلُثُك أَوْ رُبْعُك فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ جُزْءًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا قَالَ: بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَإِنْ قَالَ: سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ سُدُسُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالِاسْتِيلَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ التَّصَرُّفِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ.
قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: الْإِعْتَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ ثُبُوتًا وَزَوَالًا لِمَا عُرِفَ فِي بَيْعِ النِّصْفِ وَشِرَاءِ النِّصْفِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ يَظْهَرُ بِهَا سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالْقُوَّةُ لَا تَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشَّخْصِ قَوِيًّا وَبَعْضُهُ ضَعِيفًا وَهَذَا كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا مُتَجَزِّئَةٌ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَكَذَلِكَ عَدَدُ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ فَلَا يَزُولُ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ لِأَنَّ سُقُوطَ الرِّقِّ وَثُبُوتَ الْعِتْقِ حُكْمٌ بِسُقُوطِ كُلِّ الْمِلْكِ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ فَقَدْ وُجِدَ شَطْرُ عِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ حُرًّا أَصْلًا فِي شَهَادَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُكَاتَبٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ قَصْدًا لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ لِأَنَّ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَيْهِ لِلْمُجَازَاةِ عَلَى الِاسْتِنْكَافِ عَنْ السَّلَامِ، وَعَنْ الِانْقِيَادِ، وَالتَّعَبُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى فَجُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِضَرْبِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَالْجَزَاءُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ ضِمْنًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ تَعَدَّى إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَإِزَالَةُ الرِّقِّ كَالْإِعْلَامِ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَإِزَالَةُ الْجَهْلِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِأَنَّ الرِّقَّ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا أُثْبِتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ كُلُّهُ كَالطَّلَاقِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَزِّئٌ إجْمَاعًا، وَالْإِعْتَاقَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ أَمَّا إثْبَاتُ الْعِتْقِ فَعِنْدَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَالرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَعِنْدَهُمَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَيُزِيلُ الرِّقَّ قَصْدًا، وَالْمِلْكَ تَبَعًا فَأَحْكِمْ هَذَا الْأَصْلَ وَاحْفَظْهُ، فَفِيهِ فِقْهٌ كَثِيرٌ، وَقَوْلُهُ: عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ.
وَقَوْلُهُ: وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ إمَّا إلَى الْمُعْتَقِ إذَا ضَمِنَ وَإِمَّا إلَى الْآخَرِ إذَا اخْتَارَ السِّعَايَةَ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ الْمُكَاتَبَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلسِّعَايَةِ وُقُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بَعْدَ الْعَجْزِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute