فِيهِ خِلَافًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ الْحَيُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ وَيَعْتِقُ الْحَيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الرِّقُّ، وَالرِّقُّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَيْسَ هَذَا بِعَبْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَعْتِقُ الثَّانِي وَإِنْ قَالَ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَتْ وَطَلَقَتْ الْمَرْأَةُ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ يَقُولُ الْوَلَدُ: الْمَيِّتُ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِوَلَدٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَرِثُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَوُقُوعُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ بِوِلَادَتِهِ وَلَا يُقَالُ فَهَلَّا كَانَ وَلَدًا فِي حَقِّ الثَّانِي حَتَّى لَا يَعْتِقَ قُلْنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّ الثَّانِي أَنْ لَا يَعْتِقَ وَإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يَعْتِقَ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ فَوَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا كَانَ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " عَامَّةٌ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَإِنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَصَارَ مَأْذُونًا) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ تَجِينِي بِهَا فَقَبِلَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَعَتَقَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهَا بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ، وَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ وَكَذَا الْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ الْجَهَالَةُ بِأَنْ قَالَتْ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى ثَوْبٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مَأْذُونًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِذَا مَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ حَيْثُ أَدَّيْت فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَا يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا لَمْ يَقْبَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيُؤَدِّ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْأُولَى وَيُؤَدِّيَ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَكَانَ الْعَبْدُ رَقِيقًا كَمَا إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَيَعْتِقُ بِالْقَبُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ قَبْضِهِ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبْضِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبْرَأهُ الْمَوْلَى عَنْ الْبَعْضِ أَوْ عَنْ الْكُلِّ لَا يَبْرَأُ أَوْ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ أَدَّى الْعَبْدُ الْمَالَ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَتَقَ وَكَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ وُجُودُ الْأَدَاءِ وَقَدْ وُجِدَ فَعَتَقَ بِهِ وَإِنَّمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ مَالُ الْمَوْلَى فَإِذَا أَدَّاهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَدَّى مَالًا مَغْصُوبًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ لِلْعَبْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَيَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ.
وَفِي قَوْلِهِ: إذَا أَدَّيْت لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ: أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قِيلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْخِدْمَةِ بَطَلَتْ الْخِدْمَةُ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَدَمَهُ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فَعِنْدَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute