إذَا كَانَ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأَبِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَأَمَّا الْأَبُ فَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْوَلَدِ فَكَانَ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ إنْسَانٍ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ، وَالْآخَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْأَبِ، وَالْخَاطِئِ، وَالْعَامِدِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ، وَالْآخَرُ بِالْعَصَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْخَاطِئِ وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ شَرِيكِ الْأَبِ فَأَمَّا الْأَبُ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا اشْتَرَكَا الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ مَالُهُ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِ مَالِهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمُطَالَبَةِ بِدَمِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمُدَبَّرِهِ وَلَا بِمَكَاتِبِهِ) لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكٌ، وَالْمُكَاتَبَ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ فَكَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهَا كَأَمَتِهِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَصُورَتُهُ بِأَنْ قَتَلَ أُمَّ ابْنِهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ أَخَا وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ وَهُوَ وَارِثُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ الْأَبُ وَوَلَدُهُ وَارِثُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ. قَوْلُهُ: وَرِثَ الْقِصَاصَ وَهُوَ لِلْوَارِثِ ثَبَتَ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُ الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُورَثِ، وَالْمُورَثُ يَمْلِكُ الْقِصَاصَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً قُلْنَا ثَبَتَ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ أَوْ نَقُولُ تَعَيَّنَ صُورَةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِرْثُ بِأَنْ قَتَلَ رَجُلٌ أَبَا امْرَأَتِهِ يَكُونُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَرْأَةِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ عَلَى أَبِيهِ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ ثُمَّ مَاتَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفَوْهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَجُوزُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ جَازَ وَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَيْسَ بِمَالٍ كَالطَّلَاقِ وَقَالُوا فِي الْوَارِثِ إذَا عَفَا عَنْ الْجَارِحِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْرُوحَ لَوْ عَفَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ الْحَقُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا عَفَا قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَجُوزُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ الْجُرْحِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا أَبْرَأَ عَنْهُ عِنْدَ ثُبُوتِ سَبَبِ الْمَوْتِ وَهُوَ الْجِرَاحَةُ جَازَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ إلَّا بِالسَّيْفِ) سَوَاءٌ قَتَلَهُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدَّدِ أَوْ النَّارِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ بِمِثْلِ الْآلَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ لِأَنَّهُ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَنَا. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» .
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى فَلَهُ الْقِصَاصُ) هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا، وَالْحُرُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَإِذَا تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ، وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَحَصَلَ الْمَوْتُ، وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ وَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي قِصَاصٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قِصَاصَ لَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ جِهَتَا الِاسْتِحْقَاقِ صَارَ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَمَنَعَ الْقِصَاصَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِحُقُوقِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحَالَيْنِ فَوَجَبَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute