للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِصَاصُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ أَمَّا سُقُوطُ الْقِصَاصِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِثِقَلِهِ وَأَمَّا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ قَتْلَهُ وَأَظْهَرَ النَّوْمَ وَإِنَّمَا أُجْرِيَ ذَلِكَ مُجْرَى الْخَطَأِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْخَطَأِ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِعَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ فَلِهَذَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَطَأِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ الْقَتْلَ وَلَا خَاطِئٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ لِتَعَدِّيهِ.

(قَوْلُهُ: وَمُوجِبُ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ. قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَقَعَ بِثِقَلِهِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّاكِبَ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا وَطِئَتْ آدَمِيًّا أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِوَطْئِهَا وَثِقَلِ الرَّاكِبِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَى السَّائِقِ، وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَا مَاتَ بِثِقَلِهِمَا وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِسَبَبِ الْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَفَرَهَا فِي مَمَرِّ النَّاسِ أَمَّا فِي غَيْرِ مَمَرِّهِمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَوَاضِعُ الْحَجَرِ) إنَّمَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَى الْحَجَرِ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ الْمَارُّ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَنَى عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَمُّدِهِ الْمُرُورَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَلِيُّ، وَالْحَافِرُ فَقَالَ الْحَافِرُ هُوَ الَّذِي أَسْقَطَ نَفْسَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ اسْتِحْسَانًا.

وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ دَمَهُ إنَّمَا هُوَ مَحْقُونٌ فِي دَارِنَا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِهِ وَصَارَ مُبَاحَ الدَّمِ، وَالْحَقْنُ هُوَ الْمَنْعُ يُقَالُ حَقَنَ دَمَهُ أَيْ مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ، وَالْحَقْنُ أَيْضًا الْحِفْظُ.

قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِسَيِّدِهِ) .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَاقِصُ عَنْ الْمَقْتُولِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَهُوَ أَكْمَلُ فَهَذَا أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) ، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَ وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ عَبْدًا لِمَوْلَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا سَرَقَ مِنْ الذِّمِّيِّ أَنَّهُ يُقْطَعُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الْكُفْرُ.

قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ) وَكَذَا بِالْمَجْنُونِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي النَّفْسِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْمَذَاكِيرِ وَمَفْقُوءَ الْعَيْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ وَلَا بِعَبْدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي قَتْلِ الِابْنِ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَا لَا قِصَاصَ عَلَى الْأَبِ فِيمَا جَنَى عَلَى الِابْنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَيْضًا وَكَذَا حُكْمُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا لَا يُقْتَلُ بِابْنِ الِابْنِ وَكَذَا الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَا الْجَدُّ وَسَفَلَ الْوَلَدُ وَكَذَا الْأُمُّ وَإِنْ عَلَتْ وَكَذَا الْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ فَأَمَّا الِابْنُ إذَا قَتَلَ الْأَبَ أَوْ الْأُمَّ أَوْ الْجَدَّةَ أَوْ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَفِيمَا دُونَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>