وَهُوَ اسْتِوَاءُ الْقَامَةِ فَإِنْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالشِّجَاجُ عَشَرَةٌ) يَعْنِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ فِي الْبَدَنِ لَا يُقَالُ لَهُ شَجَّةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ جِرَاحَةٌ.
قَوْلُهُ: (الْحَارِصَةُ، وَالدَّامِعَةُ، وَالدَّامِيَةُ، وَالْبَاضِعَةُ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ) فَالْحَارِصَةُ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ، وَالدَّامِعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ، وَقِيلَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ وَالدَّامِيَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ وَيَسِيلُ، وَالْبَاضِعَةُ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَذْهَبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِنْ الْبَاضِعَةِ. قَوْلُهُ: (وَالسِّمْحَاقُ، وَالْمُوضِحَةُ، وَالْهَاشِمَةُ، وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالْآمَّةُ) فَالسِّمْحَاقُ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ تُسَمَّى تِلْكَ الْجِلْدَةُ السِّمْحَاقَ لِخِفَّتِهَا وَرِقَّتِهَا وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَيْمِ الرَّقِيقِ سَمَاحِيقُ، وَالْمُوضِحَةُ هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ، وَالْهَاشِمَةُ هِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ، وَالْمُنَقِّلَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ، وَالْآمَّةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ جِلْدَةٌ تَحْتَ الْعَظْمِ فَوْقَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ وَبَعْدَهَا الدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعِيشُ مَعَهَا فِي الْغَالِبِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا.
قَوْلُهُ: (فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَتْ عَمْدًا) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِأَنْ تَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَسَاوَيَانِ وَلَا تَكُونُ الْمُوضِحَةُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُوضِحَةَ لِأَنَّ مَا فَوْقَهَا مِنْ الشِّجَاجِ لَا قِصَاصَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْآمَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ وَكَذَا الْمُنَقِّلَةُ، وَالْآمَّةُ يَتَعَذَّرُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ تَنْتَهِي السِّكِّينُ إلَيْهِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ إلَّا فِي السِّمْحَاقِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا إجْمَاعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا إذْ لَيْسَ فِيهَا كَسْرُ عَظْمٍ وَلَا خَوْفُ هَلَاكٍ غَالِبًا فَيُسْبَرُ غَوْرُ الْجِرَاحَةِ بِمِسْمَارٍ ثُمَّ تُعْمَلُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَيَنْفُذُهَا فِي اللَّحْمِ إلَى آخِرِهَا فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، وَأَمَّا السِّمْحَاقُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشُقَّ جِلْدَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى جَلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَرَجَعَ إلَى الْأَرْشِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ فِي بَقِيَّةِ الشِّجَاجِ) هَذَا بِعُمُومِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَلَيْسَ بِهِ هَذِهِ الشَّجَّةُ وَيُقَوَّمُ وَهِيَ بِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَإِنْ كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرٍ فَرُبْعُ عُشْرٍ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ اعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمُوضِحَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ الشَّجَّةِ الَّتِي هِيَ السِّمْحَاقُ فِي الْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ فَإِذَا أَوْجَبْنَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ أَوْجَبْنَا فِي السِّمْحَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: تَفْسِيرُ حُكُومَةِ الْعَدْلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَدْنَى شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَهِيَ الْمُوضِحَةُ فَإِنْ كَانَ هَذَا نِصْفَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ أُجْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute