بِسُقُوطِهِ سَوَاءٌ طُولِبَ بِهَدْمِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَا تَلِفَ مِنْ نَفْسٍ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا تَلِفَ مِنْ مَالٍ فَهُوَ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَطُولِبَ صَاحِبُهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالسَّاكِنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَقْضَ الْحَائِضِ وَيَصِحُّ التَّقْدِيمُ إلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَهْدِمَهُ وَكَذَا الْمُؤَجِّرُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ لِلْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ وَأُمِّ الْيَتِيمِ فِي هَدْمِ حَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى انْهَدَمَ وَحَصَلَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلصَّغِيرِ فَمَا كَانَ مِنْهَا يَلْزَمُ فِي مَالِ الْبَالِغِ فَهُوَ لَازِمٌ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَالِغِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَا لِأَنَّ النَّقْضَ إلَيْهِ ثُمَّ التَّالِفُ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَصُورَةُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَائِلٌ أَوْ مَخُوفٌ أَوْ مُتَصَدِّعٌ فَانْقُضْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ وَيُتْلِفَ شَيْئًا وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ وَاهِيًا أَوْ مَخُوفًا.
وَقِيلَ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْضِ، وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْهَدَمَ لَزِمَهُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ تَحَرُّزًا عَنْ الْجُحُودِ كَمَا فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ ضَامِنٌ.
وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ أَيْ مَا تَلِفَ مِنْ النُّفُوسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ النَّفْسِ إنْ بَلَغَ أَرْشُهُ مِنْ الرَّجُلِ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ عُشْرَ دِيَتِهَا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ الْعُرُوضِ فَفِي مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَا عَقْلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى نَقْضِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ فَرَّطَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَكِنْ ذَهَبَ يَطْلُبُ مَنْ يَهْدِمُهُ فَكَانَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ فَسَقَطَ وَأَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَأَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَسَقَطَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ بِتُرَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ، وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَثَّرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَإِنَّمَا هُوَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ بَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا هَدَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَلَسَعَتْهُ حَيَّةٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْحَائِطِ فَيَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُكَاتَبًا كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute