اُنْتُظِرَ زَوَالُ ذَلِكَ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ النِّفَاسَ مَرَضٌ وَرُوِيَ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ أَتَتْهُ بِالْوَلَدِ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ: هُوَ هَذَا قَدْ وَلَدْته فَقَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِهِ، وَفِي يَدِهِ كِسْرَةٌ مِنْ خُبْزٍ فَقَالَتْ: هُوَ هَذَا قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَافْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَشَتَمَهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مُكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى» .
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَجَبَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ، وَقَالَ فِي مَاعِزٍ «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلَا بَأْسَ لِلنَّاسِ فِي حَالَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَتْلُهُ فَمَا كَانَ أَسْرَعُ كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) أَيْ لَا شَوْكَ وَلَا عُقَدَ وَلَا شَمَارِيخَ. قَوْلُهُ: (ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) أَيْ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ يُهْلِكُ وَغَيْرَ الْمُؤْلِمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ. قَوْلُهُ: (وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) يَعْنِي مَا خَلَا الْإِزَارَ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَمْنَعُ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢] . قَوْلُهُ: (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ يُهْلِكُهُ، وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ لَا مُهْلِكٌ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ الْأَلَمُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ كَمَا وَصَلَتْ إلَيْهَا اللَّذَّةُ قَوْلُهُ: (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْجَلَّادِ «اتَّقِ الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ، وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ، وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ فَرُبَّمَا يَخْتَلُّ بِالضَّرْبِ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ وَيَجْتَنِبُ الصَّدْرَ، وَالْبَطْنَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْرِبُ الرَّأْسَ سَوْطًا وَاحِدًا لِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا أَوْ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُشَدُّ يَدَاهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُحَدُّ قَاعِدَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَتُلَفُّ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا وَتُرْبَطُ الثِّيَابُ وَيَتَوَلَّى لَفَّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَيُوَالِي بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ، وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ الْمَجْلُودِ نَجَاسَةٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي جُلِدَ عَلَيْهَا الْحُرُّ مِنْ نَزْعِ ثِيَابِهِ وَاتِّقَاءِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَفَرْجِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَالْقَذْفُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ وَيَقُولُ لَهُ لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت) أَوْ لَعَلَّك وَطِئْتهَا بِالشُّبْهَةِ أَوْ يَقُولُ: أَبِك خَبَلٌ؟ أَبِك جُنُونٌ؟ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute