بِحَضْرَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا إجْمَاعًا فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الْمَالَ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَالْقَطْعَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ إقْرَارًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَنْكَرَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ قَالَ: سَرَقْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَبَقِيَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُقْطَعْ وَضَمِنَ الْمَالَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا قَتَلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً) وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرًا، وَلَوْ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النِّسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَطْعَ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ هَذَا الْقَطْعَ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا، وَالنِّسَاءُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَرْبِ لَا يَقْتُلْنَ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْطَعْ أَيْدِيَهُنَّ وَلَا أَرْجُلَهُنَّ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ الرِّجَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ) وَإِنَّمَا وَجَبَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى أَخْذِ الْمَالِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَتَغَلَّظَ حُكْمُهُ بِزِيَادَةِ قَطْعِ رِجْلِهِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَطْعَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى، وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَمِنْ شَرْطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ أَمَّا إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْغَوْثُ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْخِيَانَةَ وَإِنْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) أَيْ سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْلُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا إلَى الْقَتْلِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَانْحَتَمَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ عَفَا عَنْهُمْ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ صَلْبًا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلْبِ وَحْدَهُ وَلَا يَقْطَعُ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلَ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا أُعْفِيهِ مِنْ الصَّلْبِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ: أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute