للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِكُ الضَّمَانَ وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَتَخَلَّصَ السَّارِقُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ أَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا حَقَّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، وَالْمَعْنَى فِي الْهِبَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَهَبَهَا لَهُ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ التَّرَافُعِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ، وَلَوْ رَدَّ السَّارِقُ السَّرِقَةَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَعَفَا عَنْهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ: شَهِدَتْ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي أَوْ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ، وَالْمُطَالَبَةُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنْ دَفَعَهُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُمْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ قُطِعَ وَقِيلَ: إنْ دَفَعَهُ إلَى وَالِدَيْهِ أَوْ جَدَّيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ.

وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا وَإِنْ دَفَعَهَا لِي مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ أَبِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا وَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) .

وَقَالَ زُفَرُ يُقْطَعُ وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدنَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَزَنَى بِهَا حُدَّ أَيْضًا ثَانِيًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ إذَا سَقَطَ الْقَطْعُ وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْهُ، وَفِي الزِّنَا إذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَمْ يَضْمَنْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ إنْ كَانَتْ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا إذَا غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا انْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْغَزْلِ، وَلَوْ سَرَقَ نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالتَّضْمِينُ مُتَعَذِّرٌ لِأَجْلِ قَطْعِ يَدِهِ إذْ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلسَّارِقِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ الثَّوْبُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أَخَذَ مِنْهُ نَاقِصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ سَرَقَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَجَعَلَهَا آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، وَقَالَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَهُمَا.

. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا) وَكَذَا إذَا كَانَ السَّارِقُ قَدْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ السَّارِقِ فِيهَا بَاطِلٌ وَكَذَا إذَا فَعَلَ هَذَا بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْغَيْرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا) وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ، وَالْقَطْعُ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ غَيْرُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ السَّارِقُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُودَعُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ لِأَحَدِهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حُصِرَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ حُصِرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>