وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ بِحِمَارِ وَحْشٍ عَقِيرٍ فَبَادَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ نَهْرٍ فَقَالَ: هَذِهِ رَمْيَتِي وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتهَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ» .
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ أَكْلٌ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ بِهِ جِرَاحَةً أُخْرَى سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ أَمَّا إذَا وَجَدَ بِهِ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ فَلَعَلَّهُ مَاتَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ فَأَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَيْدًا فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: رَمَيْته بِالْأَمْسِ فَكُنْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى هَجَمَ عَلَيَّ اللَّيْلُ فَقَطَعَنِي عَنْهُ ثُمَّ وَجَدْته الْيَوْمَ وَمَرْمَاتِي فِيهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُ غَابَ عَنْك وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ أَعَانَتْك عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، الْإِصْمَاءُ: مَا عَايَنْته، وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك.
وَفِي الْمُصَفَّى الْإِصْمَاءُ: أَنْ يَرْمِيَهُ فَيَمُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيعًا، وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بَعْدَ وُقُوعِ السَّهْمِ فِيهِ ثُمَّ يَمُوتُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْغَرَقِ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَوْتُ مِنْ السُّقُوطِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَهَذَا خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ جَرَحَهُ أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الذَّكَاةِ، وَالْمِعْرَاضُ عَصًا مُحَدَّدَةُ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ السَّهْمُ الْمَنْحُوتُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْ الْبُنْدُقَةُ إذَا مَاتَ مِنْهَا) لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، وَلَوْ جَرَحَهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ ثُمَّ الْبُنْدُقَةُ إذَا كَانَ لَهَا حِدَّةٌ تَجْرَحُ بِهِ أُكِلَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ أَوْ عُودٍ فَكَسَرَ جَنَاحَهُ وَلَمْ يَخْرِقْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ خَرَقَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ فَقَطَعَهُ وَأَبَانَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ أَبَانَهُ بِالثِّقَلِ، وَالْقُوَّةِ وَإِنْ أَبَانَهُ بِمُحَدَّدٍ أُكِلَ وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ بِالْجُرْحِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا أُكِلَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُحْبَسُ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ، وَالْعُضْوُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ.