للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ كَرَحْمَتِهِ وَغَضَبِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِعَظَمَتِهِ أَوْ بِعِزَّتِهِ أَوْ بِقُوَّتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَانَ بِهِ حَالِفًا كَالْحَالِفِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَإِذَا قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْقَادِرِ

قَوْلُهُ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُرَادُ إذْنُهُ الْمَعْلُومُ يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَك فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَمَعْلُومُ اللَّهِ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَالُوا: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ قَالَ: وَوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٢٧] قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِيهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ يَمِينًا فِيهِمَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ: لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى عِبَادِهِ طَاعَتُهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي وَجْهِ اللَّهِ شَيْءٌ وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَجْهِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا وَكَذَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَأَفْعَلَن وَكَذَا بِسْمِ اللَّهِ إذَا عَنَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوُجُودِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَلَوْ قَالَ: وَمَلَكُوتِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالسَّخَطَ هُوَ الْعِقَابُ وَالنَّارُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَرَحْمَةِ اللَّه لِأَنَّ الرَّحْمَةَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: ١٠٧] وَقَدْ يُرَادُ بِالرَّحْمَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) أَمَّا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ كَانَ حَالِفًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ

قَوْلُهُ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ وَحُرُوفُهُ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) فَالْبَاءُ أَعَمُّ مِنْ الْوَاوِ وَالتَّاءِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ فَتَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَحَلَفْت بِهِ وَالْوَاوُ أَعَمُّ مِنْ التَّاءِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَالتَّاءُ مُخْتَصَّةٌ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ سَائِرِ أَسْمَائِهِ تَقُولُ تَاللَّهِ وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (وَقَدْ تُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا) وَيُقَالُ: إذَا حُذِفَ حَرْفُ الْقَسَمِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ سَكَّنَ حَرْفَ الْإِعْرَابِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَسَرَهُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ سَوَاءٌ نَصَبَ أَوْ كَسَرَ أَوْ سَكَّنَ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ كَانَ يَمِينًا لِأَنَّ اللَّامَ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ الْبَاءِ وَتُبْدَلُ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: ٧١] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: ١٢٣] وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ

قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: وَحَقُّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ عِبَارَةً عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْعِبَادَاتِ لَأَفْعَلَنَّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوصَفُ بِأَنَّهُ الْحَقُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَلَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُطِيعٍ: يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: ٧١] وَقَالَ تَعَالَى {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: ٢٥] .

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لَا يَكُونُ يَمِينًا

<<  <  ج: ص:  >  >>