لِأَنَّ الْحَقَّ يُعْرَفُ بِهِ الْحُقُوقُ وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ يَمِينٌ وَإِذَا قَالَ: حَقًّا لَأَفْعَلَنَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَالْمُنْكَرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَيَكُونُ حَالِفًا فِي الْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: ٢] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلِهَذَا قِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنْ قَالَ: آلَيْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... إذَا نَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فَهُوَ يَمِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ} [النحل: ٩١] فَجَعَلَ الْعَهْدَ يَمِينًا وَالْمِيثَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَهْدِ وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّهَا كَالْعَهْدِ أَمَّا إذَا قَالَ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ يَمِينٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ هُوَ أَمْرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: ٦٠] وَقَالَ {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ} [طه: ١١٥] فَصَارَ كُلُّهُ قَالَ: وَأَمْرُ اللَّهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ
قَوْلُهُ (وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ عَلَيَّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِين اللَّهِ عَلَيَّ فَهُوَ حَالِفٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْيَمِينُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ
(وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ كَانَ يَمِينًا) حَتَّى إذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ يَمِينٌ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى الْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَكْفُرُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْقِيقِ وَكَتَبَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى إلَى ابْنِ شُجَاعٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِالِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يُصَدَّقَ فِي مَقَالَتِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) وَكَذَا إذَا قَالَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ عِقَابُهُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا أَوْ مَيْتَةً فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَمُرْتَكِبُهَا لَا يَكُونُ كَافِرًا وَلِأَنَّ الْمَيْتَةَ قَدْ أُبِيحَتْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ أَوْ لِلْمَيْتَةِ أَوْ لِلرِّبَا فَإِنَّهُ يَكُونُ حَالِفًا لِأَنَّ مُعْتَقِدَ ذَلِكَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ: فَأَنَا يَهُودِيٌّ وَمَنْ أَدْخَلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ كَانَ يَمِينَيْنِ مِثْلُ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ مِثْلُ وَاَللَّهِ اللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَهُمَا يَمِينَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا الشَّيْءُ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ هُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ: بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَهُمَا يَمِينَانِ وَفِيهِمَا كَفَّارَتَانِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قِيلَ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute