للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الدَّفْعِ مُسْتَحَقٌّ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ كَذَا هَذَا وَلَوْ صَامَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ وَفِي مِلْكِهِ عَبْدُهُ قَدْ نَسِيَهُ أَوْ طَعَامٌ قَدْ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ وَهَذَا وَاحِدٌ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَيْهِمْ كَالزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي كَفَنِ الْمَوْتَى وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) هَذِهِ كَفَّارَةُ الْمُعْسِرِ وَالْأُولَى كَفَّارَةُ الْمُوسِرِ وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ كِفَايَةٍ مِقْدَارُ مَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ أَوْ كُسْوَةٌ أَوْ طَعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ.

قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا مَلَكَ عَبْدًا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ مُتَتَابِعَاتٍ التَّتَابُعُ شَرْطٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ فَرَّقَ الصَّوْمَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ وَمِنْ شَرْطِ هَذَا الصَّوْمِ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ أَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا.

وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْكَفَّارَةِ قَوْلُهُ

(فَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يَجُزْ) هَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ إلَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا

(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلُ أَنْ لَا يُصَلِّي أَوَّلًا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْبِرِّ إلَى الْجَابِرِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سَأَلَ الشَّعْبِيَّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَقَالَ: أَلَيْسَ جَعَلَ اللَّهُ الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: أَنْتَ مِنْ الْأرَائِيِّينَ أَيْ مِمَّنْ يَقُولُ بِالرَّأْيِ وَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ أَيْ يُكَلِّمَ أَبَاهُ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ الْقَتْلِ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَبَاهُ وَقَتَلَ فُلَانًا فَهُوَ عَاصٍ وَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً أَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ.

وَأَمَّا النَّذْرُ إذَا كَانَ فِي الْمُبَاحِ أَوْ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْهَبَ إلَى السُّوقِ أَوْ أَعُودَ مَرِيضًا أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ أَضْرِبَ أَوْ أَشْتُمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» وَلَهُمَا أَنَّ ذَبْحَ الْوَلَدِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَقَالَ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ يَتَنَاوَلُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: ١٢٥] وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ عَبْدِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعَبْدِهِ مِنْ ابْنِهِ وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ فَكَذَا عِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّ مَا جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَنْ ابْنِهِ جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَنْ نَفْسِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ النَّذْرِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَبْدِهِ وَنَفْسِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ شَاةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَنْوَاعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ شَاةٌ فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً وَوَلَدُ الِابْنِ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>