شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنَّبًا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِاسْمٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ اسْمِ الرُّطَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُنْتَقَى بِيَمِينِهِ أَكْلُ الرُّطَبِ وَالْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ فِيهِ الرُّطَبُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ بُسْرٌ يَسِيرٌ حَنِثَ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الَّذِي فِي الرُّطَبِ لَا يُسَمَّى بُسْرًا فِي الْغَالِبِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ فَصَارَ هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنَّبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا بِهِ بُسْرٌ يَسِيرٌ فَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَالَ الِاسْمُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ لِهَذَا الْمَعْنَى هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بُسْرًا أَوْ رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنَّبًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ إجْمَاعًا فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشِّرَاءِ فَقَالَا: إنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ فَيَتْبَعُ الْقَلِيلُ فِيهِ الْكَثِيرَ وَفِي الْأَكْلِ يُصَادِفُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِير أَوْ أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتٌ شَعِيرًا وَأَكَلَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الشِّرَاءِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ قَسْبًا أَوْ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ السَّمَكَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَسْمِيَتِهِ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُحْمَلُ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَوَّلًا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الْكَافِرَ دَابَّةً فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٥٥] وَكَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْبَحْرِ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّمَكِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَيُّ لَحْمٍ أَكَلَهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ السَّمَكِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مُحَرَّمُهُ وَمُبَاحُهُ وَمَطْبُوخُهُ وَمَشْوِيُّهُ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ أَكْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ، ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا وَهَذَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي يَجُوزُ شِرَاؤُهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ كِرْشًا أَوْ رَأْسًا أَوْ الْكَلَأَ أَوْ الرَّيَّةَ أَوْ النَّشَّاشَةَ أَوْ الْأَمْعَاءَ أَوْ الطِّحَالَ حَنِثَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَلَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَكَذَا الْأَلْيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الشَّحْمِ وَإِنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ مَا عَلَى اللَّحْمِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لَحْمٌ سَمِينٌ فَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ الطُّيُورِ أَوْ لَحْمَ صَيُودِ الْبَرِّ حَنِثَ وَكَذَا لَحْمُ الرَّأْسِ لِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ مِنْ الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: اشْتَرَى لَحْمًا وَإِنَّمَا يُقَالُ اشْتَرَى رَأْسًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا وَلَا شَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ وَإِنَّمَا هِيَ نَوْعٌ ثَالِثٌ
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَاءَ بِفِيهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ وَالِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ وَالْإِنَاءِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَهُ إذَا كَانَتْ لَهَا حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ مُسْتَعْمَلٌ حُمِلَتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَرْعَ فِي الدِّجْلَةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ مُتَعَارَفَةٌ يَفْعَلُهَا كَثِيرٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute