وَجَدَهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ مِنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ
قَوْلُهُ (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ) وَرَجَعَتْ (ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ) (حَنِثَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ) فَإِنْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَفِي الْكَرْخِيِّ يُصَدَّقُ دِيَانَةً أَوْ قَضَاءً وَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ: أَذِنْت لَك بِالْخُرُوجِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ أَذِنْت لَك كُلَّمَا خَرَجْت وَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ حَنِثَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ أَوْ يَقُولُ أَذِنْت لَك كُلَّمَا خَرَجْت قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى أَرْضَى أَوْ إلَّا أَنْ أَرْضَى فَإِنْ نَوَى الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَكْلِ الْعَشِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَكْلِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فِي الْعَادَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فِي غَالِبِ عَادَتِهِمْ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحَضَرِ إذَا حَلَفُوا عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبُوا اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثُوا لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ الشِّبَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْبَادِيَةِ حَنِثُوا لِأَنَّهُ غَدَاءٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فَاكِهَةً أَوْ تَمْرًا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ لِأَنَّ الْغَدَاءَ فِي غَيْرِ الْبَوَادِي لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْخُبْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي أَكْلِ الْأُرْزِ وَالْهَرِيسَةِ وَالْفَالُوذَجِ الْحِنْثُ وَعَنْهُ أَيْضًا فِي الْهَرِيسَةِ وَالْحَلْوَى لَا يَحْنَثُ وَغَدَاءُ كُلِّ بَلَدٍ مَا يَتَعَارَفُونَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغَدَاءِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَبَّحُ قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّصَبُّحُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ.
(قَوْلُهُ وَالسَّحُورُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَفِي الْكَرْخِيِّ مِنْ بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَالْإِدَامُ كُلُّ شَيْءٍ يُصْبَغُ بِهِ الْخُبْزُ وَيُؤْكَلُ مَعَهُ مُخْتَلِطًا بِهِ كَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَرَقِ وَالْعَسَلِ.
وَأَمَّا مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِثْلُ الشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْبَيْضِ وَاللَّحْمِ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ إدَامٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَالْمِلْحُ إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِانْفِرَادِهِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَمَا يُضَاهِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ ثُرِدَ خُبْزٌ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ لَمْ يَكُنْ إدَامًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ وَأَمَّا السَّمْنُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ إدَامٌ وَالْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ إجْمَاعًا وَالْبَقْلُ وَالْبِطِّيخُ وَالْعِنَبُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَالتَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ لِأَنَّ التَّمْرَ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّمْرَ إدَامٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَخَذَ لُقْمَةً بِيَدِهِ وَتَمْرَةً بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَقَالَ: هَذِهِ إدَامٌ» هَذِهِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَحْنَثُ إجْمَاعًا وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ الْمِشْمِشَ أَوْ الْفِرْسِكَ أَوْ السَّفَرْجَلَ أَوْ الْإِجَّاصَ أَوْ التِّينَ أَوْ الْبِطِّيخَ أَوْ نَحْوَهَا وَكَذَا قَصَبُ السُّكَّرِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ الْقِثَّاءَ أَوْ الْخِيَارَ أَوْ الْجَزَرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عِنْدَهُ مَا يَقْصِدُ بِأَكْلِهِ التَّفَكُّهَ دُونَ الشِّبَعِ وَالرُّطَبُ يُؤْكَلُ لِلشِّبَعِ وَالرُّمَّانُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهُ وَإِنَّمَا يُمَصُّ.
وَكَذَا الْعِنَبُ وَعِنْدَهُمَا كُلُّ ذَلِكَ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَعَزِّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهِ يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨] فَعَطَفَهُمَا عَلَى الْفَاكِهَةِ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {حَبًّا} [عبس: ٢٧] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: ٢٨] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: ٢٩] ثُمَّ قَالَ وَفَاكِهَةً فَعَطَفَ الْفَاكِهَةَ عَلَى الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى بَدَلَهُ لَا آكُلُ فَاكِهَةَ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حُلْوٍ لَيْسَ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ كَالْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ فَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أَوْ رُمَّانًا حُلْوًا أَوْ بِطِّيخًا