للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ فَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ سَأَلَ عَنْهُمْ) وَكَذَا إذَا وَقَعَ لِلْقَاضِي فِي شَهَادَتِهِمْ الشَّكُّ وَالِارْتِيَابُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَلَا تَزُولُ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَسَائِرِ الْحَوَادِثِ سَوَاءٌ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ أَوْ لَمْ يَطْعَنْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ السُّؤَالِ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي وَيَسْأَلَ عَنْ جِيرَانِهِمْ وَأَصْدِقَائِهِمْ وَيُرْسِلُ بِالْكِتَابِ إلَيْهِمْ فَيَكْتُبُ الْمُزَكُّونَ الْعَيْنَ تَحْتَ اسْمِ الْعَدْلِ وَلَا يَكْتُبُونَ الْفَاءَ تَحْتَ اسْمِ الْفَاسِقِ صِيَانَةً لِعِرْضِ الْمُسْلِمِ.

وَفِي النِّهَايَةِ تَزْكِيَةُ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ وَيَكُونُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَدْلًا لَهُ خِبْرَةٌ بِالنَّاسِ وَلَا يَكُونُ مُنْزَوِيًا غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُمْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَرُدُّ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْجَوَابَ فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا تَحْتَ اسْمِهِ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ أَوْ يَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَيُخْدَعُ الْمُعَدِّلُ أَوْ يَتَهَدَّدُ أَوْ يُسْتَمَالُ بِالْمَالِ.

وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي تَزْكِيَةٍ فِي الْعَلَانِيَةِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُعَدِّلِ: هَذَا الَّذِي عَدَّلْته فِي السِّرِّ فَإِنْ قَالَ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: نَعَمْ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَقِيلَ: صِفَةُ التَّزْكِيَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ: إنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيُّ الْقَوْلِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَشَهَادَتُهُ لَا تَجُوزُ وَقِيلَ: يَكْفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقُولُ فِي تَعْدِيلِهِ: مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَلَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ عَدَّلَهُ وَزَكَّاهُ وَالتَّزْكِيَةُ كَانَتْ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ عَلَانِيَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي السِّرِّ تَزْكِيَةٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صُلَحَاءَ وَكَانَ الْمُعَدِّلُ لَا يَخَافُ الْأَذِيَّةَ مِنْ الشُّهُودِ إذَا جَرَّحَهُمْ وَفِي زَمَانِنَا تُرِكَتْ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ وَاكْتُفِيَ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَالْأَذِيَّةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُؤْذُونَ الْجَارِحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا رَأَى الْمُزَكِّي رَجُلًا حَافِظًا لِلْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ رِيبَةً قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ فَجَاءَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَعَدَّلَاهُ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَتَعْدِيلُ الْوَاحِدِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ يَعْنِي إذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ وَاحِدًا وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشُّهُودِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَهُمَا يَقُولَانِ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا تَزْكِيَةَ مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ وَعَلَى هَذَا فَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا تَعْدِيلُ الْأَعْمَى وَالْمَمْلُوكِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>