للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَنَابِيعِ.

(قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) وَأَمَّا إذَا سَمِعَ الْحَاكِمَ يَقُولُ: حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ) هَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّرِيحِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الْبَيْعِ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ شَهِدَ عَلَى الْبَيْعِ جَازَ وَفِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا يُقْبَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي) لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ سَمِعَهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ.

وَلَوْ فَسَّرَهُ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الرَّجُلِ وَلَا يَرَاهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَكًّا بِحَقٍّ وَقَالَ لِقَوْمٍ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّكِّ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ.

(قَوْلُهُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّجَمُّلِ وَلَمْ يُوجَدْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْطَعْ بِشَهَادَتِهِ حَقًّا فَإِذَا صَحَّ هَذَا قُلْنَا مَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ.

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُحَمِّلْهُ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِرَجُلٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ: فَاشْهَدْ بِمَا شَهِدْت بِهِ أَوْ اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا شَهِدْت بِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ بِالشَّهَادَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّحْمِيلِ وَهَذَا الْمَأْمُورُ لَمْ يُعَايِنْ إقْرَارَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا أَشْهَدَهُ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِنَابَةٌ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِ وَإِشْهَادٌ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ) لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ بِيَقِينٍ وَهَذَا قَوْلُهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ لِأَنَّ مَا فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَخْبُوءًا عِنْدَهُ أَوْ عَلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>