يَسَعُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ قَالَ فِي التَّقْوِيمِ قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ
(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) وَكَذَا قَضَاؤُهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ شَهَادَتُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ تَحَمَّلَهَا وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّاهَا وَهُوَ أَعْمَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ إلَّا مُعَايَنَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا صَحَّ تَحَمُّلُهُ جَازَ أَدَاؤُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بَصِيرٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَمَنَعَ الْأَدَاءَ كَالْجُنُونِ وَلِأَنَّ حَالَةَ الْأَدَاءِ آكَدُ مِنْ حَالَةِ التَّحَمُّلِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّحَمُّلَ يَصِحُّ فِي حَالٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْأَدَاءُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَإِنَّ تَحَمُّلَهُ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَمْنَعَ الْأَدَاءَ وَالثَّانِي إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا عِنْدَنَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا بَقَاءُ الشُّهُودِ عَلَى حَالِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ حَتَّى إذَا ارْتَدُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَذَا إذَا عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ بَطَلَتْ يَعْنِي فِي الْمَالِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا غَابَتْ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ لِفَوَاتِ الْبُدَاءَةِ بِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ الرَّجْمُ أَيْضًا بِمَوْتِهِمْ وَلَا بِغَيْبَتِهِمْ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا.
وَقَالَ زُفَرُ: تُقْبَلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةَ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةُ كَمَا يَقَعُ لِلْبَصِيرِ.
(قَوْلُهُ وَلَا الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] فَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ تَحْتَ هَذَا لِأَنَّ عَلَيْهِ خِدْمَةَ مَوْلَاهُ يَمْتَنِعُ بِهَا عَنْ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ الْحُدُودِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ الْفِسْقُ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ مَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي إبْطَالِهَا إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَ الْحَدِّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلَّ لَا تَسْقُطُ وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ قَدْ حَدَثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فَتَمَامُ حَدِّهِ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُ الْحَدِّ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَهَا هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ.
(قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَبِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ) لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ بِالْوِلَادَةِ وَالْمَنَافِعُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِمْ التُّهْمَةُ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلٌ عَادَةً فَيَكُونُ مُتَّهَمًا.
(قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ