أَوْ مِنْ وَجْهٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى.
(قَوْلُهُ وَلَا لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَكَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يُعَدُّ ضَرَرُ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً.
(قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِ فَإِنْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ لِلشَّاهِدِ مَغْنَمًا أَوْ دَفَعَتْ عَنْهُ مَغْرَمًا لَا تُقْبَلُ وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تَجْلِبُ لَهُ مَغْنَمًا فَتَجُورُ وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ وَدِيعَةً فَجَاءَهُ مُدَّعٍ فَادَّعَاهَا فَشَهِدَ لَهُ الْمُودَعَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا دَفَعَا بِهَا مَغْرَمًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ بِالرَّهْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ الرَّاهِنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعٌ بَلْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّهِمَا مِنْ الْوَثِيقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَيْنًا عَلَى اثْنَيْنِ فَادَّعَى مُدَّعٍ تِلْكَ الْعَيْنَ فَشَهِدَا بِهَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا مَغْرَمًا وَهُوَ إبْطَالُ الثَّمَنِ عَنْهُمَا فَهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ.
(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهٍ) لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِيَ مُتَحَيِّزَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَبَسُّطٌ فِي مَالِ الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُخَنَّثٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ رَدِيءَ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ أَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ وَلَمْ يَفْعَلْ الْفَوَاحِشَ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ
(قَوْلُهُ وَلَا نَائِحَةٍ) يَعْنِي الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَشَهَادَتُهَا مَقْبُولَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خَيْرَ فِي النَّائِحَةِ لِأَنَّهَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَتَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا وَتَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى دَمْعِهَا وَتُحْزِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ.
(قَوْلُهُ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِأَنَّهَا مُرْتَكِبَةٌ حَرَامًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ» .
(قَوْلُهُ وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) يَعْنِي شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَمَّا الْخَمْرُ فَشُرْبُهَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَهْوٍ وَالْإِدْمَانُ الْمُدَاوَمَةُ وَالْمُلَازَمَةُ أَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ فَأَمَّا مَنْ يُتَّهَمُ بِالشُّرْبِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَالَةِ قَبْلَ ظُهُورِ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَذَا مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ.
(قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ) وَهُوَ الْمُغَنِّي وَكَذَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ وَالْحَمَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ غَفْلَةً وَقَدْ يَقِفُ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ سَطْحِهِ إذَا أَرَادَ تَطْيِيرَ الْحَمَامِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُهَا وَلَا يُطَيِّرُهَا وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا بِقِمَارٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
(قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لَا يُقَالُ فِي هَذَا تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُغَنِّيَةَ قُلْنَا: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا عَامٌّ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي التَّغَنِّي مُطْلَقًا وَهَذَا فِي التَّغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِالتَّغَنِّي لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُغَنِّي لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يُغَنِّي لِنَفْسِهِ أَحْيَانَا لِإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى بَيْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَمِعَ عُمَرَ يَتَرَنَّمُ فِي بَيْتِهِ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ عُمَرُ خَجَلًا فَقَالَ لَهُ: أَسَمِعْتنِي يَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ لَهُ: إنَّا إذَا خَلَوْنَا قُلْنَا مَا يَقُولُ النَّاسُ أَتَدْرِي مَا كُنْت أَقُولُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ إنِّي قُلْت
لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَفِ الْعُلَا ... إلَّا التَّعَرُّضُ لِلْحُتُوفِ
فَلَأَرْمِيَنَّ بِمُهْجَتِي ... بَيْنَ الْأَسِنَّةِ وَالسُّيُوفِ.
(قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ) أَيْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا وَالْكَبِيرَةُ مَا كَانَتْ حَرَامًا مَحْضًا شُرِعَ عَلَيْهَا عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْقَتْلُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تِسْعٌ وَلَعَلَّهُ زَادَ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْإِيَاسَ مِنْ رُوحِ اللَّهِ أَوْ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزِّنَا وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هُنَّ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَقِيلَ: هُنَّ سَبْعَ عَشْرَةَ أَرْبَعٌ فِي الْقَلْبِ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ