«لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ»
قَوْلُهُ (وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ
قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا) الْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ وَالْخَفْرِ بِالْأَمَانِ وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَالْخِيَانَةُ فِيهِ بِأَنْ يُمْسِكَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُظْهِرُهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْغُلُولُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمِ وَالْغُلُولُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي الْخُفْيَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يُمَثِّلُوا) وَهُوَ أَنْ يَقْطَعُوا أَطْرَافَ الْأُسَارَى أَوْ أَعْضَاءَهُمْ كَالْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالْأُصْبُعِ ثُمَّ يَقْتُلُوهُمْ أَوْ يُخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقْطَعُوا رُءُوسَهُمْ وَيَشُقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَيَقْطَعُوا مَذَاكِيرَهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْمُثْلَةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدًا) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا أَوْ حَرَّضُوا عَلَى الْقِتَالِ وَكَانُوا مِمَّنْ يُطَاعُ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْخًا فَانِيًا يَعْنِي الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ قُتِلَ ثُمَّ إذَا قُتِلَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ.
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْسَرُوا وَيُحْمَلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ إذَا تُرِكْنَ تَقَوَّى بِهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَا الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَكَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَمَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُتْرَكُونَ فِي دَارٍ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُمْ يَطَئُونَ النِّسَاءَ فَيَنْسِلُونَ وَفِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ عَدَدِ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقَاتِلُ وَلَا رَأْيَ لَهُ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُلَقِّحُ فَإِنْ شَاءُوا أَسَرُوهُ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْكُفَّارِ فِيهِ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا بِنَسْلِهِ وَكَذَا الْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى وِلَادَتُهَا إنْ شَاءُوا أَسَرُوهَا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهَا وَيَجُوزُ قَتْلُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ وَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُسْرَى وَأَقْطَعِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِيَمِينِهِ وَيُمْكِنُ الْآخَرَ أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا قَاتَلَتْ يَجُوزُ قَتْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ صَارَتْ كَالرَّجُلِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِمُقَاتَلَتِهِ فَلِهَذَا يُقْتَلُ قَوْلُهُ (أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِلْكَهُ) لِأَنَّ فِي قَتْلِهَا تَفْرِيقًا لِجَمْعِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ مِلْكُهُمْ صَبِيًّا صَغِيرًا فَأَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ الْوَقْعَةَ وَكَانَ فِي قَتْلِهِ تَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا لِشَرِّهِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلَانِ إلَّا مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ أَبَاهُ الْحَرْبِيَّ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَفِي قَتْلِهِ مُنَاقَضَةٌ لِذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَالِجَهُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ كَمَا إذَا ضَرَبَ قَوَائِمَ فَرَسِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ فَأَمَّا مَنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْأَبِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَلِكَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَةَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ خَالَهُ الْعَاص بْن هِشَامٍ يَوْمَ بَدْرٍ
قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ إذَا كَانَتْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونُوا أَقْوَى مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ وَمُوَادَعَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: ٣٥] أَيْ لَا تَضْعُفُوا عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ وَتَدْعُوهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ بِمَا وَعَدَكُمْ اللَّهُ مِنْ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute