عَنْهُمْ فَصَارَ الْقَاتِلُ جَانِيًا كَمَنْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ حُرِّمَ دَمُهُ وَقُسِّمَ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الِاسْتِرْقَاقَ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَسْلَمُوا لَا يَقْتُلُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا) لِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَأَمَّا تَحْرِيقُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِقَطْعِ مَنْفَعَةِ الْكُفَّارِ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَلَا يَعْقِرُهَا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا) مَعْنَاهُ لَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا مَعْقُورَةً وَلَا يَتْرُكُهَا ابْتِدَاءً بِدُونِ الْعَقْرِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ لَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَعْقِرُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَعْقِرُهَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَتْرُكُهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ وَلَا ذَبْحٍ وَمَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ حَرَقَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ كَالْحَدِيدِ فَإِنَّهُ يَدْفِنُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ يُكَسِّرُ آنِيَتَهُمْ وَأَثَاثَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُرَاقُ جَمِيعُ أَدْنَانِهِمْ وَجَمِيعُ الْمَائِعَاتِ مُغَايَظَةً لَهُمْ، وَأَمَّا السَّبْيُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَقْلِهِمْ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ فِي أَرْضٍ مُضَيِّعَةٍ لِيَهْلِكُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَيَكْسِرُونَ أَنْيَابَ الْحَيَّةِ وَلَا يَقْتُلُونَهُمَا قَطْعًا لِضَرَرِهِمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِبْقَاءً لِنَسْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِقِسْمَتِهَا هُنَاكَ
قَوْلُهُ (وَالرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ سَوَاءٌ) الرِّدْءُ الْمُعِينُ النَّاصِرُ يُقَالُ فُلَانٌ رِدْءُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَنْصُرُهُ وَيَشُدُّ ظَهْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} [القصص: ٣٤] أَيْ عَوْنًا وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الْقِتَالَ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوا الْغَنِيمَةَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) وَكَذَا لَا يُسْهِمُ لِلتَّاجِرِ وَلَا لِلْأَجِيرِ فَإِنْ قَاتَلَ التَّاجِرُ مَعَ الْعَسْكَرِ أُسْهِمَ لَهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا الْأَجِيرُ إنْ تَرَكَ خِدْمَةَ صَاحِبِهِ وَقَاتَلَ مَعَ الْعَسْكَرِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْخِدْمَةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَا وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ الْقِتَالِ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَمَنْ دَخَلَ لِيُقَاتِلَ فَلَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ سَهْمُهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا إذَا دَخَلَ مُقَاتِلًا فَأُسِرَ ثُمَّ تَخَلَّصْ قَبْلَ إخْرَاجِ الْغَنِيمَةِ فَلَهُ سَهْمُهُ
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَمِنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ) أَمَّا أَمَانُ الرَّجُلِ لِوَاحِدٍ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute