«الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَمَعْنَى تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ أَنَّ دَمَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَوَاءٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَيْ يُقَاتِلُونَ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَمَّا أَمَانُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ وَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانَهَا» فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت وَرُوِيَ أَنَّ «أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَجَازَتْ حَمَوَيْنِ لَهَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَتَفَلَّتَ أَخُوهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا وَقَالَ أَتُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ وَاَللَّهِ لَا تَقْتُلُهُمَا حَتَّى تَقْتُلَنِي قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَغْلَقَتْ دُونَهُ الْبَابَ وَمَضَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيت مِنْ ابْنِ أَبِي وَأُمِّي وَذَكَرَتْ لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مِنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت» قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْحَقُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَهَنٌ وَمَذَلَّةٌ كَانَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمَّنَهُمْ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَالْمُرَاهِقُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَبْلُغَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعُقُودَ وَالْأَمَانُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارَ كَلِمَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
(قَوْلُهُ وَلَا الْأَسِيرِ وَلَا التَّاجِرِ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَضْطَرُّونَ إلَى مَا يُرِيدُهُ الْكُفَّارُ لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ فَهُمْ آمِنُونَ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ أَمَانُهُ) أَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانَ الْأَمَانَ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدٌ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا الْكَلَامَ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (وَإِذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) يَعْنِي أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَرَقُّوا أَوْلَادَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ وَإِنْ قُطِعَ حَقُّ الْأَوَّلِينَ عَنْهَا فَصَارَتْ مَالًا لَهُمْ وَكَذَا إذَا غَلَبَ الرُّومُ عَلَى التُّرْكِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَالتُّرْكِيُّ حَرْبِيٌّ مِثْلُ الرُّومِيِّ قَوْلُهُ (فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَا يَمْنَعُ صُلْحُنَا مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكْنَاهُ فَكَذَا إذَا غَلَبْنَاهُمْ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَرَاهِم مَلَكُوهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَغْلِبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِهَا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَإِنْ غَلَبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتَنْفَذُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهَا فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا وَهُوَ قَوْلُهُ (فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا) ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute