للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمُعَةُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعَيْنِ نَهْرٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِنْ صَلَّوْا مَعًا وَلَا يُدْرَى مَنْ سَبَقَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى) فَإِنْ قُلْت قَدْ عُرِفَ هَذَا بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ قِيلَ هَذَا تَأْكِيدٌ وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: ٩] ثُمَّ قَالَ {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: ٩] وَقَدْ عُلِمَ هَذَا بِقَوْلِهِ {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: ٩] .

(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانٍ) لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ وَالْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ وَفِي نَصْبِ الْخَطِيبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى الْجَامِعِ فَيُقِيمُونَهَا لِغَرَضٍ لَهُمْ وَتَفُوتُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَجُعِلَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) يَعْنِي الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ وَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِي الظُّهْرَ عَلَى الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَبْنِي لَنَا أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ يَجْهَرُ فِي إحْدَاهُمَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ) ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ.

(قَوْلُهُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) وَمِقْدَارُهُمَا مِقْدَارُ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَمِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثٌ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا،.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبَةٌ وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى لَا يُكْتَفَى عِنْدَهُ بِالْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ طَالَتْ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ السُّنَّةُ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَكُونَ الْجَهْرُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى.

(قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ) لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ أَلَسْت تَتْلُو قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَلَمْ يُفَصِّلْ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ أَمَّا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ مُتَعَجِّبًا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ إجْمَاعًا.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) وَأَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالتَّسْبِيحُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا لَيْسَتْ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَلَا يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَكَذَا لَوْ خَطَبَ مُضْطَجِعًا أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ يَعْقِلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ جَازَ، وَلَوْ تَغَدَّى فِي بَيْتِهِ وَجَاءَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ مَا لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ، وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ شَهِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>