مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وابن المبارك، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَرِوَايَةُ أشهب عَنْ مالك.
وَالثَّالِثُ: يَطْهُرُ بِهِ كُلُّ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلِّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَحَكَوْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَالرَّابِعُ: يَطْهُرُ بِهِ الْجَمِيعُ إِلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مالك حَكَاهَا ابن القطان.
وَالْخَامِسُ: يَطْهُرُ الْجَمِيعُ حَتَّى =الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إِلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسِ دُونَ الرَّطْبِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك فِيمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ.
وَالسَّادِسُ: يَطْهُرُ الْجَمِيعُ حَتَّى الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَالَهُ داود وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أبي يوسف وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ سُحْنُونٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَالسَّابِعُ: يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بِلَا دِبَاغٍ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ - حَكَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ، وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ " أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» ، وَلَا عَصَبٍ " وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَتُهُمْ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي حرملة، وأحمد فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وأبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أحمد بن الحسين يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ ابن عكيم هَذَا لِقَوْلِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ، وَكَانَ يَقُولُ هَذَا آخِرُ الْأَمْرِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَلَا يَطْهُرُ بِشَيْءٍ كَاللَّحْمِ وَأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَجُسَ بِهِ هُوَ الْمَوْتُ، وَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ لَا يَزُولُ بِالدَّبْغِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وأبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» "، وَفِي لَفْظٍ " «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» " وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: " هَلَّا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سودة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْتَبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا.
رَوَى أبو يعلى فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَاتَتْ شَاةٌ لسودة فَقَالَتْ: