وَنَحْوِهِ، وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ لِلْمُحَدِّثِ، بَلْ، وَلَا لِلْجُنُبِ، وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ نَشْرَ الْعِلْمِ يُطْلَبُ عِنْدَهُ آدَابٌ تَعْظِيمًا لَهُ يَخْتَصُّ بِهَا عَنِ الذِّكْرِ وَنَحْوِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى حَدِيثٍ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ نَشْرٍ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، أَوْ قَائِمٌ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِئَ أَحَدًا الْقُرْآنَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُقْرِئَهُ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، أَوْ قَائِمٌ، أَوْ مَاشٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ تَوْقِيرِ الْعِلْمِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ، وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ مَاشٍ، أَوْ مُضْطَجِعٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ قِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ لَا تَعْلِيمٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآدَابَ الْمَطْلُوبَةَ عِنْدَ تَعْلِيمِ النَّاسِ الْعِلْمَ وَنَشْرِهِ لَهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ طَلَبُهَا عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ، فَلِلْقَارِئِ وَحْدَهُ حُكْمُ غَيْرِ الْمُقْرِئِ لِغَيْرِهِ، وَلِلنَّاظِرِ فِي الْحَدِيثِ وَحْدَهُ حُكْمُ غَيْرِ الرَّاوِي لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَالذَّاكِرُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ لَا حُكْمُ الْمُعَلِّمِ فَلِهَذَا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الذِّكْرُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَكُرِهَ السُّؤَالُ عَنِ الْحَدِيثِ فِي حَالِ الْقِيَامِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ لَا يَتَوَجَّهُ مِنْ مَكَانِهِ لِمُخَالَفَةِ الشَّيْطَانِ، فَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ، رَوَى مُسْلِمٌ، وأبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أبي الشعثاء قَالَ: «كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ.»
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَدْرَكَ الْآذَانَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ» " وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]
مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَحَارِيبِ الَّتِي يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ مَعَهَا فِي الْقِبْلَةِ أَنْ تَكُونَ فِي بَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ نَشَأَ بِهَا قُرُونٌ وَسَلِمَتْ مِنَ الطَّعْنِ، هَلْ قَوْلُهُمْ: قُرُونٌ مَجَازًا أَرَادُوا بِهِ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا سُنُونَ تَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، أَوْ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَمْضِيَ قُرُونٌ؟ وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ؟ وَقَوْلُهُمْ: وَسَلِمَتْ مِنَ الطَّعْنِ مَا حَقِيقَةُ الطَّعْنِ الَّذِي يُخْرِجُهَا عَنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ؟ وَمَا ضَابِطُهُ هَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ؟ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ أَكْثَرَ، وَمَنْ صَلَّى إِلَى مِحْرَابٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ قُرُونٌ، أَوْ طُعِنَ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ مَا صَلَّاهُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ .
وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهَا؟ هَلْ مَضَى عَلَيْهَا قُرُونٌ وَسَلِمَتْ مِنَ الطَّعْنِ؟ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْبَحْثِ، وَإِذَا صَلَّى إِلَيْهَا قَبْلَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، أَوْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ وَتَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute