وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إِلَى سَعَةِ النَّظَرِ وَطُولِ الْبَاعِ وَكَثْرَةِ الِاطْلَاعِ، وَقَدْ يَقَعُ الْوَضْعُ فِي لَفْظَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَا فِي كُلِّهِ كَحَدِيثِ: «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ جَنَاحٍ» ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَدْرُهُ ثَابِتٌ، وَقَوْلُهُ: "أَوْ جَنَاحٍ " مَوْضُوعٌ تَعَمَّدَهُ وَاضِعٌ تَقْرُّبًا إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمَهْدِيِّ، لَمَّا كَانَ مَشْغُوفًا بِاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ، وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ لليث هَذَا صَاحِبِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ، وعطاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الَّذِي «وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: أَهْدِ بَدَنَةً، قَالَ: لَا أَجِدُ» ، قَالَ الْحُفَّاظُ: ذِكْرُ الْبَدَنَةِ فِيهِ مُنْكَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ليثا إِنَّمَا زَادَهَا غَفْلَةً وَتَخْلِيطًا لَا عَنْ قَصْدٍ وَعَمْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[حُسْنُ التَّسْلِيكِ فِي حُكْمِ التَّشْبِيكِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: " بَابُ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ " وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ، قَالَ الحافظ ابن حجر فِي شَرْحِهِ: حَدِيثُ أبي موسى دَالٌّ عَلَى جَوَازِ التَّشْبِيكِ مُطْلَقًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ فِي غَيْرِهِ أَجْوَزُ.
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ قَبْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثٌ آخَرُ نَصُّهُ: حَدَّثَنَا حامد بن عمر ثَنَا بشر ثَنَا عاصم، ثَنَا واقد عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «شَبَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ» ، قَالَ الحافظ مغلطاي: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الصَّحِيحِ، وَقَالَ الحافظ ابن حجر: هُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مُعَارَضَةُ مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّشْبِيكِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ مَرَاسِيلُ وَمُسْنَدٌ مِنْ طُرُقٍ غَيْرِ ثَابِتَةٍ، وَقَالَ ابن المنير: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ تَعَارُضٌ إِذِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ، وَجَمَعَ الإسماعيلي بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَاصِدًا إِلَيْهَا، إِذْ مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي، وَقِيلَ: إِنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ صُورَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute