للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكر وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، فَقَالَ: أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَتْقَى أبو بكر، وَذَهَبَ الشِّيعَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ علي، وَالدَّلَالَةُ النَّقْلِيَّةُ تَرُدُّ ذَلِكَ وَتُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْأَتْقَى أَفْضَلُ الْخَلْقِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، وَالْأَكْرَمُ هُوَ الْأَفْضَلُ، فَالْأَتْقَى الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا أبو بكر وَإِمَّا علي، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى علي، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى أبي بكر، وَإِنَّمَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَلَى عَلِيٍّ لِأَنَّهُ قَالَ عَقِيبَ صِفَةِ هَذَا الْأَتْقَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: ١٩] ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَصْدُقُ عَلَى علي؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَرْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَبِيهِ، فَكَانَ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ وَيَكْسُوهُ وَيُرَبِّيهِ، فَكَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْعِمًا عَلَيْهِ نِعْمَةً يَجِبُ جَزَاؤُهَا، أَمَّا أبو بكر فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، بَلْ أبو بكر كَانَ يُنْفِقُ عَلَى الرَّسُولِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الدِّينِ، وَهَذِهِ النِّعْمَةُ لَا تُجْزَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: ٩٠] ، وَالْمَذْكُورُ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ النِّعْمَةِ، بَلْ نِعْمَةٌ تُجْزَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَصْلُحُ لعلي، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ، وَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَفْضَلَ مِنَ الْآيَةِ إِمَّا أبو بكر وَإِمَّا علي، وَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لعلي، تَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى أبي بكر، وَثَبَتَ دَلَالَةُ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أبا بكر أَفْضَلُ الْأُمَّةِ. انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ.

[سُورَةُ الْقَدْرِ]

مَسْأَلَةٌ.

يَا مُفْرِدًا فَاقَ أَهْلَ الْعَصْرِ بَلْ سَلَفًا ... وَصَارَ مُشْتَهِرًا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ

فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالْأَفْرَادِ قَدْ شُهِرَتْ ... وَهَلْ تُظَنُّ بِشَهْرِ الصَّوْمِ فِي الْأَزَلِ

أَوْ بِالْيَقِينِ وَبِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ تُرَى ... مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ وَلَا جَدَلِ

وَإِنْ تَقُولُوا بِهِ مَاذَا أَوَائِلُهَا ... هَلْ بِالْغُرُوبِ إِلَى فَجْرٍ يَلُوحُ جَلِي

وَهَلْ لِقَائِمِ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ عَمَلٍ ... مِنَ الْغُرُوبِ بِفَرْدِ الْعَشْرِ فِي وَجَلِ

يَدْعُو الْإِلَهَ مُظِنًّا أَنَّ دَعْوَتَهُ ... قَدِ اسْتُجِيبَتْ بِنَيْلِ الْقَصْدِ وَالْأَمَلِ

أَفْتُوا عُبَيْدًا غَدَا مِمَّنْ يَلُوذُ بِكُمْ ... يَرْجُو لَكُمْ كُلَّ قَدْرٍ تَقْصِدُونَ عَلِي

أَثَابَكُمْ رَبُّكُمْ جَنَّاتِهِ كَرَمًا ... بِجَاهِ خَيْرِ الْبَرَايَا أَشْرَفِ الرُّسُلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>