وَقَصَدَ الْإِنْكَارَ حَيْثُ رَضِيَ التَّحْكِيمَ، فَتَلَا علي: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠] ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنُقُولُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى، وَفِيمَا أَوْرَدْنَاهُ كِفَايَةٌ.
وَقَالَ النووي فِي التِّبْيَانِ: فَصْلٌ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ، ذَكَرَ ابن أبي داود فِي هَذَا اخْتِلَافًا، فَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْقُرْآنَ لِشَيْءٍ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَكَّةَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ - وَطُورِ سِينِينَ} [التين: ١ - ٢] ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: ٣] .
وَعَنْ حكيم - بضم الحاء - بن سعد أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمَحْكَمَةِ أَتَى عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠] ، قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا اسْتَأْذَنَ إِنْسَانٌ عَلَى الْمُصَلِّي، فَقَالَ الْمُصَلِّي: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ فَإِنْ أَرَادَ التِّلَاوَةَ، أَوِ التِّلَاوَةَ وَالْإِعْلَامَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِعْلَامَ، أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ نِيَّةٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، انْتَهَى كَلَامُ النووي فِي التِّبْيَانِ.
فَانْظُرْ كَيْفَ أُخِذَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمُصَلِّي، وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ " بَابَ مَا يَجُوزُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ يُرِيدُ بِهِ جَوَابًا أَوْ تَنْبِيهًا ".
[ذِكْرُ مَنِ اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ]
أَخْرَجَ ابن سعد، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا سَلَّمَ الحسن بن علي الْأَمْرَ إِلَى معاوية فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ، أَلَا وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا ومعاوية لَا امْرُؤٌ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي، وَهُوَ حَقٌّ لِي تَرَكْتُهُ إِرَادَةَ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَنَزَلَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا عَنْ حفصة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا بَلَغَهَا قَتْلُ عثمان، فَقَالَتْ: {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل: ١١٢] ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute