للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَبْسِ، وَأَمَّا إِبَاحَتُهُ لِلنَّاسِ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فَمَرْتَبَةٌ أُخْرَى فَوْقَ ذَلِكَ فِي السُّوءِ؛ لِأَنَّهُ إِغْرَاءٌ لِلْعَامَّةِ عَلَى ارْتِكَابِ الْحَرَامِ وَاسْتِحْلَالِهِ، وَغَضٌّ مِنْ مَنْصِبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّ يُبَاحَ هَذَا لِأَحَدٍ وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعْصُومُونَ، فَلَا يَسُبُّونَ إِلَّا مَنْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِسَبِّهِ؟ وَمَنْ سُبَّ بِالشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسُبَّ سَابَّهُ، فَالْمَسْأَلَةُ مُسْتَحِيلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا، فَالْجَوَابُ: رَدْعُ هَذَا الرَّجُلِ وَزَجْرُهُ وَهَجْرُهُ فِي اللَّهِ، وَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِقْلَاعُ.

[بَابُ الْجِهَادِ]

مَسْأَلَةٌ: فِي الرَّمْيِ بِالنُّشَّابِ عَلَى نِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] ، وَالْقُوَّةُ مُفَسَّرَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّمْيِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَهَلِ الصَّارِفُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: بِسُنِّيَّتِهِ فَهَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُجُوبِ إِذَا انْتَفَى بِطَرِيقٍ مَا يَبْقَى النَّدْبُ، أَوْ قَطْعُ النَّظَرِ عَنِ الْآيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِدَعْوَى نَسْخِهَا، وَأُخِذَتِ السُّنِّيَّةُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ .

الْجَوَابُ: نَقُولُ: مَذْهَبُنَا أَنَّ الرَّمْيَ بِالنُّشَّابِ عَلَى نِيَّةِ التَّأَهُّبِ لِلْجِهَادِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ وَلَا مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ - هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ مِنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ وَجَدْنَاهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَتَعَدَّاهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَهُ أَرْبَعَةُ احْتِمَالَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ لِلْإِرْشَادِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ ضَعِيفٌ؛ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي التَّرْغِيبِ فِي الرَّمْيِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَا أُمِرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ أَوِ الْوُجُوبِ، لَا عَلَى وَجْهِ الْإِرْشَادِ، كَحَدِيثِ: " «تَعَلَّمُوا الرَّمْيَ فَإِنَّ مَا بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ". وَحَدِيثِ: " «الرَّمْيُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْإِسْلَامِ» ".

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِلنَّدْبِ وَهُوَ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ أَظْهَرُ مِنَ الْإِرْشَادِ فِيهَا، وَإِذَا انْتَفَى الْوُجُوبُ بِالطَّرِيقِ الْآتِي بَقِيَ النَّدْبُ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ صِيغَةِ الطَّلَبِ، وَلَا نَافِيَ لَهُ، بَلِ الْأَحَادِيثُ الْآمِرَةُ وَالْمُرَغِّبَةُ مُثْبِتَةٌ لَهُ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>