للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ النَّهْرَ الْعَامَّ كَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ الْعَامِّ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ صَخْرَةً فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ مُنِعَ مِنْهُ.

وَفِي فَتَاوَى ابن الصلاح: مَسْأَلَةٌ - إِذَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَبْنِيَ عِمَارَةَ سَكْرٍ فِي النَّهْرِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهِ طَاحُونَةً وَنَاعُورَةً وَلَا يَضَرُّ بِمَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَلَا بِمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ إِحْيَاءً لَهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوَاتِ الَّذِي يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَتَّى يَمْلِكَ قَرَارَ النَّهْرِ الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ الْعِمَارَاتِ وَيَمْلِكَ حَرِيمَهُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرَرٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُنْحَدَرَ فِي مَكَانِهِ بِسَبَّاحَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَطَرِيقُ الْمَاءِ الْعَامُّ كَطَرِيقِ السُّلُوكِ الْعَامِّ، وَلَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ أَنْ يَضَعَ صَخْرَةً فِي طَرِيقِ شَارِعٍ وَاسِعٍ مُنِعَ مِنْهُ وَهَذَا شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ قُدِّرَ خُلُوُّ ذَلِكَ عَنِ الضَّرَرِ لَمْ يَجُزْ مِلْكُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ بِشَيْءٍ مِنَ الِاخْتِصَاصَاتِ الْجَائِزَةِ.

[ذِكْرُ نُقُولِ الْمَالِكِيَّةِ]

قَالَ ابن الحاج فِي الْمَدْخَلِ: شَاطِئُ النَّهْرِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْبِنَاءُ فِيهِ لِلسُّكْنَى وَلَا لِغَيْرِهَا إِلَّا الْقَنَاطِرُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ، الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ» " رَوَاهُ أبو داود فِي سُنَنِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهَا مَرَافِقُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ يَرْتَفِقُ بِهَا يَجِدُ هُنَاكَ نَجَاسَةً فَيَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُلْعَنُونَ بِسَبَبِهِ، هَذَا وَهُوَ مِمَّا يَذْهَبُ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَغَيْرِهِمَا فَكَيْفَ بِالْبِنَاءِ عَلَى النَّهْرِ الْمُتَّخَذِ لِلدَّوَامِ غَالِبًا، وَقَدْ قَالَ ابن هبيرة فِي كِتَابِ اتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطَّرِيقَ لَا يَجُوزُ تَضْيِيقُهَا، وَالْبِنَاءُ عَلَى النَّهْرِ أَكْثَرُ ضَرَرًا وَأَشَدُّ مِنْ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ يُمْكِنُ الْمُرُورُ فِيهَا مَعَ تَضْيِيقِهَا بِخِلَافِ النَّهْرِ، فَمَنْ بَنَى عَلَيْهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ لِأَنَّهُ مَوْرَدَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدٌ يَرِدُ الْمَاءَ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَدُورَ مِنْ نَاحِيَةٍ بَعِيدَةٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَكَانَ مَنْ أَحْوَجَهُ إِلَى ذَلِكَ غَاصِبًا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، قَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَرْسَلَ سَجَّادَةً إِلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ إِتْيَانِهِ فَوُضِعَتْ هُنَاكَ لِيُحَصِّلَ بِهَا الْمَكَانَ أَوْ كَانَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>