للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَلْ ذَا يُعَارِضُ آيَاتِ الْكِتَابِ إِذَا

أَوْ لَا يُعَارِضُهُ يَا مُنْتَهَى وَطَرِي؟ ... جَنَّاتُ عَدْنٍ لَكُمْ مَأْوًى وَمَسْكَنُكُمْ

يَوْمَ الْمَعَادِ بِقَصْرٍ يَانِعٍ نَضِرِ ... وَلَا بَرِحْتُمْ لِحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ كَمَا

تَأْلِيفُكُمْ لِلْهُدَى يَسْمُو مَدَى الدَّهْرِ

الْجَوَابُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْآصَالِ وَالْبِكَرِ ... ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ

قَدْ خُصِّصَتْ آيَةُ الْإِسْرَى بِمُتَّصِفٍ ... وَصْفَ الْحَيَاةِ كَرَطْبِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ

فَيَابِسٌ مَاتَ لَا تَسْبِيحَ مِنْهُ كَذَا ... مَا زَالَ عَنْ مَوْضِعٍ كَالْقَطْعِ لِلْحَجَرِ

[سُورَةُ الْكَهْفِ]

مَسْأَلَةٌ: مِنْ حَلَبَ - قَدْ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ مَوْضِعٌ عَسِرٌ فَهْمُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الفاتحة: ٢٣ - ٢٨٩٨٩] وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّهْيِ؛ أَيْ: لَا تَقُولَنَّ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ: إِنِّي فَاعِلُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ إِلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؛ أَيْ: إِلَّا مُلْتَبِسًا بِمَشِيئَتِهِ قَائِلًا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ أَيْ: إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَهُ بِمَعْنَى أَنْ يَأْذَنَ لَكَ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِفَاعِلٍ ; لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ اقْتِرَانِ الْمَشِيئَةِ بِالْفِعْلِ غَيْرُ سَدِيدٍ، وَاسْتِثْنَاءُ اعْتِرَاضِهَا دُونَهُ لَا يُنَاسِبُ النَّهْيَ. انْتَهَى.

وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ ذَلِكَ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِفَاعِلٍ ; لِأَنَّ إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّ هَذَا عَسُرَ فَهْمُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.

الْجَوَابُ: سَبَبُ ذَلِكَ وَجَازَةُ الْعِبَارَةِ وَاخْتِصَارُهَا، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي عِبَارَةِ ابن الحاجب حَيْثُ قَالَ: الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا كَقَوْلِكَ: لَا تَجِيءُ إِلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ، وَلَا تَخْرُجُ إِلَّا عَشِيَّةً عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَعَمُّ الْمَحْذُوفُ حَالًا أَوْ مَصْدَرًا، وَحُذِفَتِ الْبَاءُ مِنْ بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؛ أَيْ: إِلَّا بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ عُلِمَ ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ الْمُسْتَصْحَبَةِ فِي الْأَخْبَارِ عَنِ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ هِيَ الْمَشِيئَةُ الْمَذْكُورَةُ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِكَ: لَأَفْعَلَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَهَا، قَالَ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: إِنِّي فَاعِلٌ؛ فَفَاسِدٌ إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى: إِنِّي فَاعِلٌ بِكُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ مَشِيئَةِ اللَّهِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي فَاعِلٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، انْتَهَى.

وَقَدْ وَضَحَ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي: وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِفَاعِلٍ ; لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ اقْتِرَانِ الْمَشِيئَةِ بِالْفِعْلِ غَيْرُ سَدِيدٍ، وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>