للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَلَّفَ الحريري - صَاحِبُ الْمَقَامَاتِ - كِتَابًا سَمَّاهُ " تَوْشِيحَ الْبَيَانِ بِالْمُلْتَقَطِ مِنَ الْقُرْآنِ " قَالَ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ أَشَرْتَ أَيُّهَا الْحَبْرُ الْبَرُّ إِلَى أَنْ أَلْتَقِطَ لَكَ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي أَخْرَسَ الْفُصَحَاءَ، وَأَفْحَمَ الْبُلَغَاءَ مَا يُوَشِّحُ بِهِ الْمُتَمَثِّلُ لَفْظَهُ، وَالْوَاعِظُ وَعْظَهُ، وَالْكَاتِبُ كُتُبَهُ، وَالْخَاطِبُ خُطَبَهُ، فَامْتَثَلْتُ أَمْرَكَ بِالِانْقِيَادِ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِقُصُورِ شَأْوِ الِارْتِيَادِ عَنِ اسْتِغْرَاقِ هَذَا الْمُرَادِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى جَوَامِعِ الْمَوَادِّ إِذْ كَانَتْ أَسْرَارُ الْقُرْآنِ لَا يُدْرَكُ غَوْرُهَا، وَعَجَائِبُهُ لَا يَزَالُ يُنْمَى نُورُهَا، وَنُورُهَا - إِلَى أَنْ قَالَ: وَهَا أَنَا قَدْ جَمَعْتُ لَكَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ وَالدُّرِّ الْمُلْتَقَطِ مَا رَجَوْتُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رِضَا الْبَارِي وَارْتِضَاءِ الْقَارِي.

[ذِكْرُ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي خُطْبَةِ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ تَضْمِينِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ]

قَالَ: فَمِنْهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ مَنْ أَحَبَّ حُبَّ الْخَيْرِ، وَسَارَ عَلَى مِنْهَاجِهِ أَحْسَنَ سَيْرٍ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَسَيِّدُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ تَقَدَّمَ هَذِهِ الْفِرْقَةَ تَقَدُّمَ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَسَبَقَ وَهِيَ تُنَادِيهِ مَا فِي وُقُوفِكَ سَاعَةً مِنْ بَاسٍ، وَتَصَدَّرَ وَلَوْ عُورِضَ لَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ الْحَقُّ: مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنْفَقَ مِنْ خَزَائِنِ عِلْمِهِ، وَلَمْ يَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا هَكَذَا هَكَذَا، وَإِلَّا فَلَا لَا - إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَاءَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى وَفْقِ مَطْلُوبِهِ، كَامِلًا فِي أُسْلُوبِهِ، شَامِلًا لِلْفَضْلِ بِعِيدِهِ وَقَرِيبِهِ، شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَوَفَاءً لِمَا لِلْعِلْمِ فِي ذِمَّةِ بَنِي الدُّهُورِ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَرَّرْتُهُ فِي الدُّجَى بِشَهَادَةِ النُّجُومِ، وَلَاقَيْتُ عُسْرَهُ بِهِمَّةٍ نَبَذَتْ سُهَيْلًا بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومُ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَرَاحَ الْفَقِيهُ الْمُسْتَفِيدُ يُبْدِي وَيُعِيدُ، وَلَا مَزِيدَ عَلَى تَحْقِيقِهِ، وَيُنْفِقُ سُوقَهُ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَسْكَعُ فِي ظَلَامِ الشُّبُهَاتِ غَيْرَ صُبْحِ فَضْلِهِ، اسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ، وَكَمُلَ كِتَابًا طَبَخَ قُلُوبَ الْحَاسِدِينَ لَمَّا اسْتَوَى، وَسَحَابًا لَا تُغَيَّرُ مَعَهُ الْأَغْرَاضُ الْأُمَوِيَّةُ قَائِلَةً: لَا نَبْرَحُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى - إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا آمَنُ طَائِفَةً تَطُوفُ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَتَأْخُذَهَا وَتَدَّعِيَهَا وَتَدْخُلَ وَتَخْرُجَ، وَلَيْتَ لَهَا أُذُنًا وَاعِيَةً فَتَعِيَهَا، وَتَسْرَحَ فِي رَوْضِهِ فَتَجْنِيَ عَلَى مُصَنَّفِهِ، وَتَجْنِيَ كُلَّ زَهْرٍ وَتَسْرِقَ ثَمَرَهُ، وَتَقُولَ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ - إِلَى أَنْ قَالَ: لَعِبَ بِهَا شَيْطَانُ الْحَسَدِ، وَشَدَّ وَثَاقَهَا الَّذِي لَا يُوثِقُ بِهِ حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>