فَلَمَّا ظَهَرَ صِدْقُ ضَمِيرِهِ حَيْثُ بَرَزَ لِلْحَرْبِ وَالْقَتْلِ، لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ الْمَوْضُوعُ لِامْتِحَانِ الْمُسْلِمِ الْخَالِصِ مِنَ الْمُنَافِقِ، قَالَ القرطبي: وَإِذَا كَانَ الشَّهِيدُ لَا يُفْتَنُ فَالصِّدِّيقُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَجَلُّ قَدْرًا. وَمِمَّنْ يُسْتَثْنَى الْمُرَابِطُ فَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ. وَالْمَطْعُونُ وَالصَّابِرُ فِي بَلَدِ الطَّعْنِ مُحْتَسِبًا وَمَاتَ بِغَيْرِ الطَّاعُونِ - صَرَّحَ بِهِ الحافظ ابن حجر فِي كِتَابِ بَذْلِ الْمَاعُونِ، وَالْأَطْفَالُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.
[الِاحْتِفَالُ بِالْأَطْفَالِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَسْأَلَةٌ: اخْتُلِفَ فِي الْأَطْفَالِ، هَلْ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيَسْأَلُهُمْ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ شَهِيرَيْنِ حَكَاهُمَا ابن القيم فِي " كِتَابِ الرُّوحِ " عَنْ أَصْحَابِهِ الْحَنَابِلَةِ وَرَأَيْتُهُمَا أَيْضًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ، وَيَخْرُجَانِ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ، وَبِهِ جَزَمَ النسفي مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابن الصلاح، والنووي، وابن الرفعة، والسبكي، وَصَرَّحَ بِهِ الزركشي، وَأَفْتَى بِهِ الحافظ ابن حجر. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ، رُوِّينَاهُ عَنِ الضحاك مِنَ التَّابِعِينَ، وَجَزَمَ بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ البزازي، والبيكساري، والشيخ أكمل الدين، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ فَوْرَكٍ، والمتولي، وابن يونس مِنْ أَصْحَابِنَا، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ سعد الدين التفتازاني، عَنْ أبي شجاع، وَجَزَمَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ القرطبي فِي " التَّذْكِرَةِ "، والفاكهاني، وابن ناجي، والأقفهسي، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ " الْمِصْبَاحِ " فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.
ذِكْرُ نُقُولِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: قَالَ النسفي فِي بَحْرِ الْكَلَامِ: الْأَنْبِيَاءُ وَأَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ، وَلَا عَذَابُ الْقَبْرِ، وَلَا سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ.
وَقَالَ النووي فِي " الرَّوْضَةِ " مِنْ زَوَائِدِهِ، وَفِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ، أَمَّا الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يُلَقَّنُ، قَالَ الزركشي فِي " الْخَادِمِ ": هَذَا تَابَعَ فِيهِ ابن الصلاح، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَصْلَ لِتَلْقِينِهِ - يَعْنِي لِأَنَّهُ لَا يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ - وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي " الْخَادِمِ ": مَا قَالَهُ ابن الصلاح والنووي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ. انْتَهَى.
وَقَدْ تَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ ابن الرفعة فِي " الْكِفَايَةِ "، والسبكي فِي " شَرْحِ الْمِنْهَاجِ "، وَسُئِلَ الحافظ ابن حجر عَنِ الْأَطْفَالِ هَلْ يُسْأَلُونَ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِمَنْ يَكُونُ مُكَلَّفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute