للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا ضَاقَ الْوَقْفُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ بِصِفَةِ الْعِلْمِ وَالشَّيْخُ أَحْوَجُ مِنْهُمْ قُدِّمَ كَمَا يُقَدَّمُ إِذَا ضَاقَ بَيْتُ الْمَالِ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ، وَإِنِ اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَالْحَاجَةِ صُرِفَ بَيْنَهُمْ بِالْمُحَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَسْأَلَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمُقَرَّرَةِ، فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا يُقْتَصَرُ بَلْ يُصْرَفُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِالْمُحَاصَّةِ؛ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ، وَفِي الثَّانِي يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عِنْدَ الضِّيقِ، وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّقْدِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ وَبِهِ تَحْصُلُ سَائِرُ الْأَصْنَافِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[كَشْفُ الضَّبَابَةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنَابَةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَقَعَ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَنِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ، فَقَدْ عَمَّتِ الْبَلْوَى بِهَا وَتَمَسَّكَ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ فِي عَدَمِ جَوَازِهَا بِمَا نُقِلَ عَنِ النووي، وابن عبد السلام أَنَّهُمَا أَفْتَيَا بِعَدَمِ جَوَازِهَا، وَتَمَسَّكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي جَوَازِهَا بِمَا نَقَلَهُ الدميري فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَنِ السبكي وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِجَوَازِهَا، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَسُئِلْتُ الْآنَ عَنْ تَحْرِيرِ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالدَّلِيلِ فَوَضَعْتُ لَهُ هَذِهِ الْكُرَّاسَةَ.

وَنَبْدَأُ بِنَقْلِ كَلَامِ السبكي وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، قَالَ السبكي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ - يَقَعُ كَثِيرًا فِي هَذَا الزَّمَانِ إِمَامُ مَسْجِدٍ يَسْتَنِيبُ فِيهِ - أَفْتَى ابن عبد السلام، وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَ الْإِمَامَةِ لَا الْمُسْتَنِيبُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ وَلَا النَّائِبُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ، قَالَ: وَاسْتَنْبَطْتُ أَنَا مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَجْعُولَ إِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ وَحَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ الْعَمَلُ عَلَى قَصْدِ الْإِعَانَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُشَارِكًا؛ إِذِ الْمَجْعُولُ لَهُ يَسْتَحِقُّ كَمَالَ الْجُعْلِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَنَّ الْمُسْتَنِيبَ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ مُعَيَّنٌ لَهُ، لَكِنِّي أَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْجَعَالَةِ رَدُّ الْعَبْدِ مَثَلًا وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْإِمَامَةِ الْعِلْمُ وَالدِّينُ وَصِفَاتٌ أُخَرُ، فَإِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي بِصِفَةٍ وَنَائِبُهُ مِثْلُهُ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ الَّذِي قَصَدَهُ مَنْ وَلَّاهُ، فَكَانَ كَالصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الْجَعَالَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِصِفَتِهِ لَمْ يَحْصُلِ الْغَرَضُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِنْ كَانَتِ التَّوْلِيَةُ شَرْطًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا اسْتَحَقَّ الْمُبَاشِرُ لِاتِّصَافِهِ بِالْإِمَامَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَالِاسْتِنَابَةُ فِي الْإِمَامَةِ يُشْبِهُ التَّوْكِيلَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>