للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذِكْرُ نُقُولِ الْحَنَابِلَةِ]

قَالَ فِي الْمُغْنِي - وَهُوَ أَجَلُّ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ - وَعَلَى مِنْوَالِهِ نَسَجَ الشَّيْخُ محيي الدين النووي كِتَابَهُ شَرْحَ الْمُهَذَّبِ مَا نَصُّهُ: وَمَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ مِنْ طُرُقِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَطْرَحِ قُمَامَتِهِ وَمَلْقَى تُرَابِهِ وَآلَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ مَا تَعَلَّقَ بِمَصَالِحِ الْقَرْيَةِ كَفِنَائِهَا وَمَرْعَى مَاشِيَتِهَا وَمُحْتَطَبِهَا وَطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مِيَاهِهَا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ أَيْضًا خِلَافًا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ حَرِيمُ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَالْعَيْنِ وَكُلِّ مَمْلُوكٍ لَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» " فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُسْلِمٍ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوُصِّلَ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ مَؤُونَةٍ يَنْتَابُهَا النَّاسُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا كَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْكُحْلِ وَمَقَالِعِ الطِّينِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا احْتِجَارُهُ دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ فَلَمْ يَجُزْ إِحْيَاؤُهُ وَلَا إِقْطَاعُهُ، كَمَشَارِعِ الْمَاءِ وَطُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ، قَالَ أحمد فِي رِوَايَةِ العباس بن موسى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ إِلَى قَنَاةِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلَأِ وَالْحَطَبِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ انْتَهَى، وَذَكَرَ نَحْوَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ.

وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَمَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الرِّفَاقِ وَالْجَزَائِرِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَلَا يَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إبراهيم فِي دِجْلَةَ يَصِيرُ فِي وَسَطِهَا جَزِيرَةٌ فِيهَا طُرُقٌ فَأَجَازَهَا قَوْمٌ فَقَالَ: كَيْفَ يُجَوِّزُونَهَا وَهِيَ شَيْءٌ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ؟ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يوسف بن موسى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ مِنْ جَزِيرَةٍ إِلَى فِنَاءِ رَجُلٍ هَلْ يَبْنِي فِيهِ؟ قَالَ: لَا، فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَعُودُ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ فَهُوَ طَرِيقٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ

قَالَ ابن الحاج فِي الْمَدْخَلِ: لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا مَوْضِعُ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا بَسَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ احْتَاجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>