للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ، لَا يُعْقَدُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يُثْبِتَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ؛ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ فَيَفْعَلُهُ، أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ فَلَا يَفْعَلُهُ، أَوْ لَقَدْ كَانَ، وَمَا كَانَ، فَهَذَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ، يَعْنِي مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِ مالك، فَهَذَانِ نَصَّانِ فِي الْأُمِّ صَرِيحَانِ فِي الْحِنْثِ، وَقَدِ اسْتَوْعَبْتُ الْأُمَّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا تَعَرُّضًا لِلْمَسْأَلَةِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ جَزَمَ فِيهَا بِالْحِنْثِ كَمَا تَرَى، ثُمَّ رَاجَعْتُ مُخْتَصَرَ المزني.

[فَتْحُ الْمَغَالِقِ مِنْ أَنْتِ تَالِقٌ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى. وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ تَالِقٌ، نَاوِيًا بِهِ الطَّلَاقَ هَلْ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؟ فَأَجَبْتُ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ سَوَاءٌ كَانَ عَامِّيًّا أَوْ فَقِيهًا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ فَالِقٌ، أَوْ مَالِقٌ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّاءِ قَرِيبٌ مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ، وَيُبْدَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ، فَأُبْدِلَتِ الطَّاءُ تَاءً فِي قَوْلِهِمْ: طُرَّتْ يَدُهُ، وَتُرَّتْ يَدُهُ؛ أَيْ: سَقَطَتْ، وَضَرَبَ يَدَهُ بِالسَّيْفِ، فَأَطَرَّهَا وَأَتَرَّهَا؛ أَيْ: قَطَعَهَا وَأَنْدَرَهَا، وَالتَّقَطُّرُ: التَّهَيُّؤُ لِلْقِتَالِ، وَالتَّقَتُّرُ لُغَةٌ فِيهِ، وَيُقَالُ فِي الْقِمَطْرَةِ: كِمَتْرَةٌ، بِإِبْدَالِ الْقَافِ كَافًا وَالطَّاءِ تَاءً، وَفِي الْقِسْطِ: كِسْتٌ كَذَلِكَ، وَيُقَالُ فِي ذَاطَهُ؛ أَيْ خَنَقَهُ أَشَدَّ الْخَنْقِ حَتَّى دَلَعَ لِسَانُهُ: ذَاتَهُ، بِالتَّاءِ، وَيُقَالُ: غَلِطَ وَغَلِتَ، لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَيُقَالُ فِي الْفُسْطَاطِ: فُسْتَاطٌ، فِي أَلْفَاظٍ أُخَرَ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْإِبْدَالِ، وَأُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً فِي نَحْوِ: مُصْطَفًى وَمُضْطَرٍّ وَمُطَّعِنٍ وَمُظْطَلِمٍ وَاطَّيَّرْنَا، إِلَى مَا لَا يُحْصَى، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّاءَ وَالطَّاءَ حَرْفَانِ مُتَعَاوِرَانِ، وَيَنْضَمُّ إِلَى هَذَا الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ مَعَ النِّيَّةِ الْعُرْفُ وَشُهْرَةُ ذَلِكَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ كَثِيرًا؛ وَلِشُهْرَةِ اللَّفْظِ فِي الْأَلْسِنَةِ مَدْخَلٌ كَبِيرٌ فِي الطَّلَاقِ، اعْتَبَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُقَوِّيَةٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي هَذَا الْقَسَمِ، فَإِنْ كَانَ اللَّافِظُ بِذَلِكَ عَامِّيًّا حَصَلَ أَمْرٌ رَابِعٌ فِي التَّقْوِيَةِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مِنَ الصَّرَائِحِ وَلَا مِنَ الْكِنَايَاتِ، فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، قُلْنَا: أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكِنَايَاتِ، فَإِنَّ أَصْلَ اللَّفْظِ بِالطَّاءِ صَرِيحٌ، وَخَرَجَ إِلَى حَيِّزِ

<<  <  ج: ص:  >  >>