فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيِّ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ فِي مَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ الْمُقْتَدِيَ فِي الثَّانِيَةِ يُتِمُّ ظُهْرًا لَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، قَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ فِي الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَتَقَدَّمَ الْمَسْبُوقُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً - هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ، فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اتَّجَهَ مَا قِيلَ فِي الْمُفَارَقَةِ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبَغَوِيُّ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِمُوَافَقَتِهِ فِيهَا وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَالَهَا تَخْرِيجًا مِنْ عِنْدِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْهَا نَقْلَ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، لَا الرافعي فِي شَرْحَيْهِ، وَلَا النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى تَتَبُّعِهِ، وَلَا ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى تَتَبُّعِ مَا زَادَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ، وَلَا السبكي، وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الرَّوْضَةِ كَصَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَالْخَادِمِ، وَهِيَ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَهِيَ الَّتِي أَوْجَبَتْ لِيَ التَّوَقُّفَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفَارَقَةِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْكَانِ الْوَاحِدَةِ مِنْ أَعْدَادِ الصَّلَاةِ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى مِثْلِهِ أَوْ إِلَى التَّحَلُّلِ، وَإِخْرَاجُ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامُ عَنْ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ بَعِيدٌ جِدًّا، وَالْأَحْوَطُ عَدَمُ تَجْوِيزِ الْمُفَارَقَةِ قَبْلَ السَّلَامِ لِيَتَحَقَّقَ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي إِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[ضَوْءُ الشَّمْعَةِ فِي عَدَدِ الْجُمُعَةِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَسْأَلَةٌ: اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدَدٍ، وَإِنْ نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِوَاحِدٍ، وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنِ القاشاني فَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إِنَّ القاشاني لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِمَامُ كَالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، والحسن بن صالح، وداود.
الثَّانِي: ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَذْهَبُ أبي يوسف ومحمد حَكَاهُ الرافعي وَغَيْرُهُ عَنِ الْقَدِيمِ.
الثَّالِثُ: أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، والليث، وَحَكَاهُ ابن المنذر عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ محمد، وَحَكَاهُ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute