للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سُورَةُ الْأَعْرَافِ]

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: ٥٤] هَلْ كَانَتِ الْأَيَّامُ ثَمَّ مَوْجُودَةً قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ وَهَلْ كَانَتْ لَهَا ثَمَّ أُمُورٌ تُعْرَفُ بِهَا أَوْ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ؟

الْجَوَابُ: الَّذِي وَضَحَ لِي بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالتَّمَهُّلِ أَيَّامًا حَتَّى أَعْطَيْتُ النَّظَرَ حَقَّهُ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقَ الْأَيَّامِ كَانَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذِكْرُ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ يَطُولُ، وَلَكِنْ نَذْكُرُ شَيْئًا مُخْتَصَرًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ " وَفِي لَفْظٍ: " الْأَرْضَ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَالنُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَآدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خَلْقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُسَمَّاةِ بِعَيْنِهَا، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، وابن المنذر فِي تَفْسِيرَيْهِمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ فَسَمَا عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا وَأَقْوَاتَ أَهْلِهَا وَشَجَرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَفَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا خَلَقَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا. فَهَذَا الْأَثَرُ أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَيَّامَ الَّتِي خُلِقَتْ فِيهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ هِيَ هَذِهِ الْمُسَمَّاةُ بِعَيْنِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي أَنَّ الِابْتِدَاءَ يَوْمَ الْأَحَدِ لَا يَوْمَ السَّبْتِ لِأَحَادِيثَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ أَعَلَّهُ الْحُفَّاظُ وَصَوَّبُوا وَقْفَهُ عَلَى كعب، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْخَلْقَ وَقَعَ فِي الْأَيَّامِ الْمُسَمَّاةِ الْمَعْهُودَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْأَثَرُ الَّذِي سُقْنَاهُ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْأَيَّامَ لَمْ يَتَقَدَّمْ خَلْقُهَا لِقَوْلِهِ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَفَتْقَهُمَا.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اللَّيْلِ كَانَ قَبْلُ أَمِ النَّهَارُ؟ قَالَ: اللَّيْلُ ثُمَّ قَرَأَ {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: ٣٠] فَهَلْ تَعْلَمُونَ كَانَ بَيْنَهُمَا إِلَّا ظُلْمَةٌ؟ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>