[ذِكْرُ نُقُولِ الْحَنَفِيَّةِ]
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَيُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ؛ لِتَحَقُّقِ حَاجَاتِهِمْ إِلَيْهَا فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ الْإِمَامُ مَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يَسْتَقِي النَّاسُ مِنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا لَهُمَا إِلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ بِالتَّوْقِيفِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْقَنَاةُ لَهَا حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يَصْلُحُ، وَعَنْ محمد أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَقِيلَ: هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ، لَا حَرِيمَ لَهَا مَا لَمْ يَظْهَرِ الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ فِي التَّحْقِيقِ فَيُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ الظَّاهِرِ، قَالُوا: وَعِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالشَّجَرَةُ تُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَهَا حَرِيمٌ أَيْضًا حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى حَرِيمٍ لَهُ يَجِدُ ثَمَرَهُ وَيَضَعُهُ فِيهِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ وَبِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ، وَمَا تَرَكَهُ الْفُرَاتُ أَوْ دِجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ، وَيَجُوزُ عَوْدُهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ إِحْيَاؤُهُ لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إِلَى كَوْنِهِ نَهْرًا وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَدْفَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَقَالَا: لَهُ مُسَنَّاةُ النَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ، ثُمَّ عَنْ أبي يوسف أَنَّ حَرِيمَهُ مِقْدَارُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعَنْ محمد مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ.
ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْمِيَاهَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَاءُ الْبِحَارِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فِيهَا حَقُّ الشَّفْهِ وَسَقْيِ الْأَرَاضِي، حَتَّى إِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْرِيَ مِنْهَا نَهْرًا إِلَى أَرْضِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَالِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبَحْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، وَالثَّانِي: مَاءُ الْأَوْدِيَةِ الْعِظَامِ كَجَيْحُونَ، وَسَيْحُونَ، وَدِجْلَةَ، وَالْفُرَاتِ، لِلنَّاسِ فِيهِ حَقُّ الشَّفْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَحَقُّ سَقْيِ الْأَرَاضِي، فَإِنْ أَحْيَا وَاحِدٌ أَرْضًا مَيْتَةً وَكَرَى مِنْهَا نَهْرًا لِيَسْقِيَهَا إِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ وَلَا يَكُونُ النَّهْرُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute