للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلِ إِذْ قَهْرُ الْمَاءِ يَدْفَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ، وَعَلَى هَذَا نَصْبُ الرَّحَى عَلَيْهِ لِأَنَّ شَقَّ النَّهْرِ لِلرَّحَى كَشَقِّهِ لِلسَّقْيِ.

ثُمَّ قَالَ: الْأَنْهَارُ ثَلَاثَةٌ، نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ مَاؤُهُ فِي الْمَقَاسِمِ بَعْدُ كَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا كَرْيُهُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لَهُمْ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ مِنَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشْرِ وَالصَّدَقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَالْإِمَامُ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إِحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَقَالَ القدوري: وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَيُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ، وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعَطُّنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَسِتُّونَ ذِرَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ، وَمَا تَرَكَ الْفُرَاتُ وَدِجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إِحْيَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أبو يوسف ومحمد: لَهُ مُسَنَّاةُ النَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ انْتَهَى، وَقَدْ عُرِفَ بِهَذَا النَّصِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ السبكي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَا فِي الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ الْمُبَاحَةِ كَالنِّيلِ، وَالْفُرَاتِ.

وَقَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ - وَهُوَ الْإِمَامُ أبو المفاخر السويدي الزوزني - وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ يُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ، وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ حَرِيمُهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِئْرًا لِلْعَطَنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ بِئْرًا لِنَاضِحٍ فَسِتُّونَ ذِرَاعًا، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ، وَمَا تَرَكَهُ الْفُرَاتُ أَوْ دِجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إِحْيَاؤُهُ لِحَاجَةِ النَّهْرِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِلْعَامِرِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو يوسف، ومحمد: لَهُ مُسَنَّاةُ النَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ.

وَفِي فَتَاوِي قاضي خان: لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَفَازَةِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ مَا حَوْلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا حَرِيمًا لِلْبِئْرِ، وَلَوْ حَفَرَ نَهْرًا فِي مَفَازَةٍ بِإِذْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>