وَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ حَتَّى يُصَلِّيَ خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ» . ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، فَكَيْفَ يَتَّجِهُ لِهَذَا الْمُنْكِرِ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَلَسْتُ أَعْجَبُ مِنْ إِنْكَارِ مَنْ لَا يَعْرِفُ، إِنَّمَا أَعْجَبُ مِنْ إِقْدَامِهِ عَلَى تَسْطِيرِ ذَلِكَ فِي وَرَقٍ يُخَلَّدُ بَعْدَهُ وَيُسَطَّرُ فِي صَحِيفَتِهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا أبو أسامة، عَنْ هشام عَنِ ابن سيرين، قَالَ: المهدي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَؤُمُّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
[لُبْسُ الْيَلَبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ إِيرَادِ حَلَبَ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَ كِتَابُ " الْإِعْلَامِ " إِلَى حَلَبَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَاقِفٌ، فَرَأَى قَوْلِي فِيهِ: إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ السَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ، لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَكَتَبَ عَلَى الْهَامِشِ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ: بَلْ قَدْ عُرِفَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ الحافظ برهان الدين الحلبي فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ": اعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ صُوَرٍ، ذَكَرَهَا السهيلي فِي رَوْضِهِ - إِلَى أَنْ قَالَ -: سَابِعُهَا وَحْيُ إِسْرَافِيلَ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُكِّلَ بِهِ إِسْرَافِيلُ، فَكَانَ يَتَرَاءَى لَهُ وَيَأْتِيهِ بِالْكَلِمَةِ وَالشَّيْءِ، ثُمَّ وُكِّلَ بِهِ جِبْرِيلُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ " الِاسْتِيعَابِ " وَسَاقَ سَنَدًا إِلَى الشَّعْبِيِّ: قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ ابن الملقن أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ جِبْرِيلَ ابْتَدَأَهُ بِالْوَحْيِ. انْتَهَى مَا كَتَبَهُ الْمُعْتَرِضُ.
وَأَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: مَا نَقَلَهُ الْمُعْتَرِضُ نَفْسُهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَنِ ابن الملقن أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ جِبْرِيلَ ابْتَدَأَهُ بِالْوَحْيِ، وَإِنَّمَا قَالَ ابن الملقن ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ فِي أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَثَرُ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ، فَكَيْفَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مَعَ ثُبُوتِ خِلَافِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعَجَبُ مِنَ الْمُعْتَرِضِ كَيْفَ اعْتَرَضَ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ، مَعَ نَقْلِهِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّفِيرِ: الَّذِي هُوَ مُرْصَدٌ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِ جِبْرِيلَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَجِيءُ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، كَمَا أَنَّ كَاتِبَ السِّرِّ مُرْصَدٌ لِلتَّوْقِيعِ عَنِ السُّلْطَانِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يُوقِّعَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute