الهذيل، وابن سابط، ومسروق، وعطاء، ومقاتل - وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَأَجَابَ عَنِ الْبِشَارَةِ بِيَعْقُوبَ بِأَنَّهُ كَانَ قَدْ بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ - أَيِ: الْعَمَلَ - وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّهُ كَانَ وُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ مَعَ يَعْقُوبَ أَيْضًا، وَأَمَّا الْقَرْنَانِ فَمِنَ الْجَائِزِ أَنَّهُمَا نُقِلَا مِنْ بِلَادِ الشَّامِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَارَ بِهِ مِنَ الشَّامِ عَلَى الْبُرَاقِ حَتَّى أَتَى بِهِ مِنًى فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا صُرِفَ عَنْهُ الذَّبْحُ سَارَ بِهِ كَذَلِكَ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ داود عَنْ عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} [الصافات: ١١٢] قَالَ: بُشِّرَ بِهِ نَبِيًّا حِينَ فَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الذَّبْحِ، وَلَمْ تَكُنِ الْبِشَارَةُ بِالنُّبُوَّةِ عِنْدَ مَوْلِدِهِ، وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْقَاضِي عياض فِي الشِّفَا، والسهيلي فِي التَّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ، وَكُنْتُ مِلْتُ إِلَيْهِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ، وَأَنَا الْآنَ مُتَوَقِّفٌ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[سُورَةُ الْفَتْحِ]
مَسْأَلَةٌ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] .
الْجَوَابُ: أَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ كَنَّى بِالْمَغْفِرَةِ عَنِ الْعِصْمَةِ؛ أَيْ: لِيَعْصِمَكَ اللَّهُ عَنِ الذَّنْبِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُمُرِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالْعَفْوَ وَالتَّوْبَةَ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي مَعْرِضِ الْإِسْقَاطِ وَالتَّرْخِيصِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَنْبٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] عَفَا اللَّهُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: ١٣] ، {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: ١٨٧] أَيْ رَخَّصَ لَكُمْ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: ٢٠] وَقَدْ أَلَّفْتُ فِي ذَلِكَ مُؤَلَّفًا سَمَّيْتُهُ (الْمُحَرَّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute