أَوِ الْجُزْءِ حُصُولُ مِقْدَارِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لِلْمُجَمِّعِ كَمَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابن دقيق العيد ; لِأَنَّهُ وَرَدَ مُبَيَّنًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: ( «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ» ) ، قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تُضَعَّفُ؛ لِأَنَّ الضِّعْفَ كَمَا قَالَ الأزهري الْمِثْلُ إِلَى مَا زَادَ، فَالتَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الْمِثْلِ وَنُقْصَانِهِ لَا بِارْتِفَاعِهِ وَانْحِطَاطِهِ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا مِمَّا تَقْبَلُ الْعِظَمَ وَالْخِسَّةَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَيْضًا تَتَفَاوَتُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ، فَقُلْتُ: الْمُرَادُ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا بِعَيْنِهَا فِي الْجَمَاعَةِ تُحَصِّلُ لَهُ مِثْلَ مَا لَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا بِضْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نِهَايَةِ الْكَمَالِ أَمْ لَا، فَنُقْصَانُ سَدِّ الْفُرَجِ وَنَحْوِهِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى نُقْصَانِ أَصْلِ الصَّلَاةِ قَطْعًا، وَأَوْرَدَ أَنَّ كَلَامَ ابن عمرو مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ اجْتِهَادًا فَلَا يُقَلَّدُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَهُ مَرْفُوعًا لَتَمَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ: هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ إِذْ هُوَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَا تُقَالُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَأَوْرَدَ أَنَّ الْآتِيَ وَلَا فُرْجَةَ فِي الصَّفِّ يُؤْمَرُ بِجَذْبِ رَجُلٍ وَيُؤْمَرُ ذَاكَ بِمُسَاعَدَتِهِ فَيَصِيرُ فِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ، فَقُلْتُ: هَذَا لِلضَّرُورَةِ وَلِدَفْعِ مَا هُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَإِحْرَازًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى بُطْلَانَهَا [قَالَ الشمس الداودي: قَالَ مُؤَلِّفُهُ شَيْخُنَا: وَكَانَتْ هَذِهِ الْفَتْوَى وَالتَّأْلِيفُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ: لَوْ سَافَرَ رَجُلَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ فِي مُدَّةِ قَصْرٍ، ثُمَّ نَوَى الْحَنَفِيُّ الْإِقَامَةَ، يَعْنِي إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. . . فِي مَوْضِعٍ فِي طَرِيقِهِ فَإِنَّهُ لَا. . . سَفْرَةَ فِي مَذْهَبِهِ وَيَنْقَطِعُ. . . مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَشَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي.
الْجَوَابُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ ابن قاسم فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ عَدَمَ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَالْمُقِيمُ إِذَا نَوَى الْقَصْرَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فَلَمْ يَنْتَفِ الْأَشْكَالُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحَنَفِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ لِاعْتِقَادِهِ الْجَوَازَ، وَنِيَّةُ الْقَصْرِ جَهْلًا لَا تَضُرُّ، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute